نحو تجديد المقاربة الديالكتيكية لدرس النصوص

بقلم: د إسماعيل البويحياوي

إن تأملا بسيطا لواقع تعليم وتعلم اللغة العربية في بعض أقسامنا يجعلنا نكتشف عددا من المعيقات والتعثرات الكثيرة التي يمكن رصدها في العديد من التجليات والظواهر. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

–  ضعف مستوى التلاميذ اللغوي، والمهاري، والمعرفي،

– عدم الاهتمام الذي يبديه بعض التلاميذ تجاه مواد اللغة العربية،

– مواقف بعضهم وسلوكاتهم في درس اللغة العربية كالشغب، والغش،

– ضخامة المقررات، واحتفاؤها بالكم على حساب نوعية المضامين،

– اعتماد المقررات على صنف واحد من الوثائق والأنشطة الكتابية،

– تمسك بعض المدرسين بالطريقة الإلقائية الأكاديمية، وبعرض المعارف والمعلومات وكأنها غاية في حد ذاتها،

– لجوء العديد من التلاميذ إلى الحفظ عن ظهر قلب ظنا منهم أن الامتحان هو بضاعتنا ردت إلينا.

وهناك الكثير غيرها من العوائق والمظاهر التي تؤكد هذه الحقيقة.

ولكن ماذا نفعل أمام هذه الوضعيَّة؟ هل نكتفي بالملاحظة والتنديد، والبكاء على تعليم زمان، ومقررات زمان، وأجيال زمان؟ وهل نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظواهر، ونكتفي بالنقد، ونركز على التلاميذ، والبنية المدرسية، وغياب الوسائل؟ وهل نركز فقط على التلاميذ ذوي المستوى الجيد، أو الصبورين الذين يحفظون ما يخطون عن ظهر قلب؟

كفانا بكاء، ولنقم برمي حجرة صغيرة في البركة الآسنة. وليكن ذلك على عدة مستويات:

–  التخفيف من الكم الثقيل والقديم للنصوص الذي يثقل مقرراتنا.

– اختيار نصوص تستجيب للحاجيات النفسية والمعرفية والاجتماعية للتلاميذ.

– تنويع الوثائق والانفتاح على الوثائق السمعية البصرية حتى نخفف من الطلاق البائن بين المدرسة والمحيط والتلميذ.

– اعتماد طريقة مبتكرة في التدريس، بشرط أن تكون فعلا حلا ناجعا للثغرات والعوائق.

ونحن نريد في هذا المقال التركيز على مادة النصوص التي تشكل قطب الرحى في العملية التعليمية التعلمية، أو في ديداكتيك اللغة لعربية، إلى جانب مواد علوم اللغة، والمؤلفات، والتعبير والإنشاء.

والحقيقة أن هذا الواقع لم يخف على التوجيهات التربوية الرسمية التي قدمت للمدرس المعايير المعتمدة في اختيار المضامين في درس النصوص، وقدمت المجزوءات، وضبطت الأنشطة وأهدافها في التعرف على أصول الشعر العربي القديم، وتحولاته (الأصول، تأصيل الأصول، التحولات أو التحديث)، والأجناس النثرية الجديدة، والقضايا الأدبية والنقدية، وأوصت باعتماد القراءة(الإقراء) المنهجية، واوصت بتحقيق التفاعل، والمقاربة الكلية غير الخطية، ودينامية المتعلم في الفهم وإنتاج المعنى[1].

إن علينا أن نستفيد من الهامش الذي تمنحنا إياه التوجيهات التربوية في أفق طريقة مبتكرة في التدريس، والاستفادة من مستجداته. علينا تجاوز عوائق عديدة كشحن المقررات واعتماد النصوص الكتابية فقط بالانفتاح على فنون أخرى كالصحافة، والسينما، والمسرح، والرسم، والكاريكاتير، ووثائق أخرى سمعية بصرية، واعتماد مقاربة أكثر نجاعة وإشراكا للتلميذ وتشغيلا له، ولقدراته المتنوعة. ومنها الانتقال من الأنشطة الذهنية ذات الطابع التجريدي، والفضفاضة، وتجاوز التركيز على القدرة نحو الفعل وإنجاز المهام.

ونقترح الاستفادة من المقاربة الموجهة نحو العمل أو الفعل[2] كنظرية تواصلية ظهرت خلال سنوات الألفين [3]. وهي قائمة أساسا على أفعال الحركة والإنجاز، وتكليف التلاميذ بإنجاز مهام مدروسة ومعدة سلفا، والتي تشمل المراحل الكبرى:

التخطيط،

التدبير،

التقويم

وهذه الأنشطة تتجاوز المهام الواسعة الفضفاضة إلى مهام جزئية محددة بدقة. ونحن ننطلق من ملاحظة على ديداكتيك النصوص التي تقتصر على وثائق وأنشطة كتابية فقط. وننطلق أيضا من حقيقة جوهرية وهي أن دور المدرس سيعرف، في عصر التحولات الرقمية، تغييرا جوهريا، ولن يبقى مدرسا ملقنا، ولكن سيصبح وسيطا ومنشطا مساعدا للتلميذ ومتفاعلا، ومُعِدا لمسرح العملية التعليمية التعلمية. انطلاقا من هذه الرؤية نقترح لتجاوز هذه الحالة الجمع بين النشاطين الشفوي والكتابي خلال جميع مراحل قراءة النص وإقرائه في مستويات ومراحل الفهم، والتحليل، والتركيب، والإنتاج. إنها مهام تستنفر العديد من القدرات والمعارف التي يمتلكها التلميذ المستعمل بغاية تحقيق نتيجة مخطط لها مسبقا. فلا توجد أنشطة تجري دون تعليمة أو أسئلة  تؤطرها وتحدد للتلميذ بدقة نوع المهمة ومجالها وما يتطلب منه إنجازها. وبذلك فتدريس المعجم كمعجم فقط يحتاج إلى تدقيق بحيث يطلب من التلميذ شرح الكلمات التي تشكل مفتاحا للفهم وتستعمل في الإنتاجين الشفوي و/ أو الكتابي. ويجب تجنب القراءة من أجل القراءة وإرفاقها بمهمة تشكل تعاقدا من التلميذ. نطلب منه مثلا رصد معجم الذات خلال قراءة قصيدة عروة لأنه يشكل قادة لفهم النص وتحليله وتقويمه وفي علاقة بالمحور الذي يندرج فيه. وبالإمكان ترك بعض الأبيات والكلمات غير الوظيفية، أو لم تعد متداولة وتنفر التلميذ، ولا تدخل في مجال اهتمامه.

وأنشطة الفهم والتحليل تكون هي الأخرى عبارة عن مهام تنصب على الكلمات المفاتيح دلاليا ولغويا وبلاغيا وعروضيًّا لأنها تخدم جوهر التحليل، ومحوره لأننا لا نهدف إلى دراسة شمولية لكل أدوات التعبير والصور والعلائق الظاهرة والضمنية في النص. إننا نركز على خيط رفيع يتعلق بالذات على مستويات المعجم والتركيب والدلالة الصريحة والضمنية من خلال أسئلة محددة هي كما قلنا أنشطة حركيَّة أو أفعال.[4]

وهنا يتحول دور المدرس من ناقل أمين للمعرفة إلى وسيط ومرشد، أو مخرج لوضعيات يقود خلالها التلاميذ إلى لعب دورهم في هذه الوضعيات الجديدة ليتعلموا اللغة من خلال وضعيات تواصلية حقيقة أو شبيهة بها. هنا يصبح التلميذ فاعلا يرافقه المدرس وييسر له شروط إنجاز المهمة كأنه مخرج مسرحي، ويتجاوز التلميذ وضعية الملاحظ المتفرج السلبي. يتأمل، ويفكر، ويحلل ويستنتجن وينتج حلا للوضعية. وهذا يتطلب الانطلاق، ومنذ بداية السنة، من تشخيص دقيق وفعلي لمكتسبات التلاميذ وعثراتهم، وحاجياتهم التي لا تعالج فورا من خلال التثبيت والدعم فقط، ولكن يتم تسجيل الحاجيات، وتعالج على امتداد فترة زمنية محددة ومدبرة جيدا. هذا المعطى يجعلنا وجها لوجه أمام الظاهرة التي نشتكي منها جميعا، وهي التفاوت بين المستوى الفعلي الواقعي والمستوى المفترض في كل مستوى دراسي. وهذا يتطلب منا إيجاد حلول للظاهرة عوض التركيز على التلاميذ المتميزين وإهمال المتوسطين والمتعثرين. وهنا لابد من الاستفادة من البيداغوجيا الفريقية بتنويع الأنشطة، وتنويع المهام بين الأنشطة والمهام السهلة القريبة، والمهام والأنشطة الأقل سهولة. ولا يعني الأمر أننا سنمحو الفروق الفردية، ونقضي على التعثرات بصفة نهائية. يكفي أن نقلص منها. وإن إنجاز المهام سيعرف اختلافات في درجة جودتها، نظرا لاختلاف قدرات الاستيعاب، والفهم، والتحليل، والتركيب. وهذا ما ينتج عنه اختلاف المنتوجات ودرجات إتقان المهمة.

لقد صار من نافل القول الاستعانة بالوسائل السمعية البصرية في درس اللغة العربية عامة، ودرس النصوص خاصة. فبالإمكان التمهيد، على سبيل المثال، لدرس (ذريني ونفسي) لعروة بن الورد عن طريق شريط سمعي بصري، أو سمعي فقط لا يتجاوز الدقية أو الدقيقتين حول ظاهرة الصعاليك مثلا، أو حول عروة فارسا وشاعرا، أو يتضمن قراءة مميزة وجيدة لبيت شعري من القصيدة موضوع الدرس. المهم أن تكون الوثيقة السمعية / أو البصرية أصيلة، وتستوفي شروط الجودة صورة وصوتا، ولا تحتوي عنصرا لا أخلاقيا أو مخالفا لشروط التربية والتعليم. هذه الوثيقة تكون محفزة للتلاميذ، مثيرة للنقاش والحوار، على أن يكون العرض أو الاستماع مُرْفَقًا بتعليمات وتوجيهات وأسئلة ذات هدف ممهد لخدمة الدرس والهدف منه كما يحدده المقرر.

ولابد من تنويع تقنيات التنشيط والتعليم من وضعيات تواصل تتراوح بين الشفوي والكتابي. وعلينا تحليل الوضعية المقترحة على التلاميذ انطلاقا من أهداف متداخلة ومتكاملة تلامس اللغوي، والتواصلي، والمنهجي، والسوسيو ثقافي، والمعرفي. ونقوم بتحديد الهدف وأجرأته، وجعله ملموسا وقابلا للإنجاز والقياس. وبعد تحليل الوضعية نخطط مسبقا للحلول العملية والفعليَّة المنتظرة. وهنا يكون التعليم تفاعليا، وتعاونيا، وتضامنيا وليس تعليما فرديا معزولا، مما ينمي روح الفريق، وروح التعاون، والتضامن بين التلاميذ، ويصبح المدرس واحدا من مجموعة القسم بمعنى من المعاني.

وبصفة عامة فديداكتيك اللغة العربية بصفة عامة، ودرس مادة النصوص بصفة خاصة مدعو إلى المزيد من التجديد بالانفتاح على النظريات، والمقاربات الجديدة التي يمكنها أن تقدم حلولا ناجعة لتجاوز التعثرات والعوائق التعليمية التعلمية ومحاورتها في أفق تبيئتها في المدرسة المغربية.

 [1]  ينظر كتاب” التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي، القسم الخاص ببرنامج السنة الأولى من سلك البكالوريا.

[2] La perspective actionnelle, évolution ou révolution historique ? Pour une conception complexe du changement en didactique des langues-cultures”, christianpuren, https://www.christianpuren.com/mes-travaux/2013b/

[3] La perspective actionnellehttp://fipf.org/sites/fipf.org/files/la_perspective_actionnelle_0.pdf

  استعننا ببعض الفيديوهات التقديمة للمقاربة القائمة على الفعل. وبخاصة فيديو على العنوان التالي: [4]

Didactique du français ديالكتيك الفرنسية 3 L’enseignant et l’élève dans une approche actionnelle, https://www.youtube.com/watch?v=5xLWJFpC5cM.