الجريمة في الجامعة.. قد تتمدد إلى الدروب والشوارع

أحمد النشاطي
بإجراء جولة سريعة في الصحافة، وفي بعض المواقع الإلكترونية، يظهر بعض الإسلامويين، وبعض أبواقهم، المعلومة والمتخفية، مبتهجين بالحديث عن جريمة مكناس، موجهين سهام النقد حد “التقريع” لليسار من خلال الطعن في فصيل يساري…
المسألة تحتاج إلى وقفة، ليس دفاعا عن اليسار، وإنما لوضع النقط على الحروف، وللعودة إلى وقائع سابقة، للذكرى والعظة…
دعونا نعود إلى ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺨﻤﻴﺲ 31 ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ ﺳﻨﺔ 1991، حين ﺍﺧﺘﻄﻒ ﺍﻟﺮﻓﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻄﻲ ﺑﻮﻣﻠﻲ، وهو من البرنامج المرحلي، من طرف قوى إسلاموية، انتزعوه من قاعة الأشغال التطبيقية بالكلية، أمام مرأى من الأساتذة والطلبة، ونقلوه إلى بيت بحي القدس، حيث نظموا له محاكمة، خلصت فيها “هيئة الإفتاء” إلى إصدار حكم بإعدام الرفيق، بعد توقيع عليه أشد أنواع التعذيب وحشية، إذ اقتلعوا شرايينه بواسطة “لقّاط”، وقطعوا أطرافه وجسده إلى أجزاء صغيرة، ثم رموها في مزبلة بالمدينة…
وفي يوم خميس أيضا، 25 فبراير 1993، عمد جماعة من الظلاميين، إلى اعتراض سبيل الرفيق محمد بنعيسى أيت الجيد، من فصيل الطلبة القاعديين التقدميين، وهو على متن سيارة أجرة، وانهالوا عليه، وعلى رفيقه الحديوي الخمار، بالضرب بالهراوات والسلاسل والسيوف، واستعمل أحدهم حجرة من الطوار، هوى بها على رأسه، كانت سببا في وفاته يوم فاتح مارس من السنة المذكورة…
هؤلاء الإسلامويون هم من أدخلوا الجامعة في دوامة العنف، عن طريق تنظيم “المحاكمات” كما تفعل “داعش” حاليا، وإصدار الحكم، ثم تطبيق الحد، وهو جريمة قتل…
هذه هي الحقيقة الأساسية التي لا يجب أن نغفل عنها للذكرى والعظة: كان القتلة من الإسلامويين، وكان الشهداء من اليسار، إلى حدود السنة الماضية، حين سيخرج “الكلاكلية” من الجنب، ويرتكبوا جريمة قتل أحد الطلبة الإسلامويين عبد الرحيم الحسناوي بجامعة ظهر المهراز بفاس…
كان اليسار باستمرار، مغربيا وحتى عربيا، ضحية للإرهاب الإسلامي… قتلة مهدي عامل وحسين مروة وجورج حاوي وفرج فودة وبلعيد شكري ومحمد الحمامي هم أنفسهم قتلة عمر بنجلون وأيت الجيد بنعيسى والمعطي بوملي… القتلة هم أنفسهم لا يختلفون إلا في الوجوه والتفاصيل الصغيرة… إلى أن جاء هؤلاء “الكلاكلية”… فانتهكوا هذه المعادلة، ومارسوا فعلا إرهابيا داعشيا، نظموا محاكمة، قتلوا طالبا، ومارسوا تعذيبا وحشيا على عاملة مقصف كلية مكناس…
فما العمل اليوم؟ أول شيء لابد من إدانة مرتكبي جرائم العنف.. فالمعركة الجوهرية المطروحة اليوم على عموم الديمقراطيين، هي معركة عزل واجتثاث العنف ومرتكبيه من داخل الجامعة، وتحرير الجامعة من العسكرة، وجعل الحرم الجامعي فضاء للتحصيل الدراسي والعلمي وللحوار الديمقراطي…
إن القاتل يبقى قاتلا، مهما تلونت جلدته، وأيا كان توجهه.. القاتل يبقى مجرما حقيرا صادر حق إنسان في الحياة مهما كان توجهه هو أيضا.. هناك متلحفون بالدين يمارسون التكفير، وآخرون متلحفون بالماركسية يمارسون التخوين… التكفير والتخوين كلاهما أداة للإرهاب المنبوذ…
في جرائم قتل شهداء اليسار، كنا نندد بالقتلة، بالظلامية، ومع جريمة قتل طالب إسلامي، بالأمس، وجريمة التنكيل بعاملة قاصرة اليوم، غير مقبول أي مبرر دون التنديد بهذه الجرائم، ودون التحرك الفاعل لوضع حد لهذه العربدة… فاليوم الجريمة داخل الحرم الجامعي، وغدا قد تصبح في الدروب والشوارع…