التنوع الثقافي المغربي

د: ادريس بوعباني

يكتسي موضوع التنوع الثقافي في عصرنا الحالي أهمية قصوى، باعتباره أحد العناصر الأساسية المساعدة على فهم وتأويل العديد من الظواهر الكونية والتحولات العالمية،  وإطارا فاعلا ضمن العلاقات الدولية، خاصة بعد تراجع مؤشرات الصراع الإديولوجي في خضم الحرب الباردة، وظهور اتجاهات العولمة في أبعادها المتنوعة.

وفي هذا السياق تبلورت مقولتان متعارضتان:

ـ مقولة صدام الحضارات التي ظهرت في إطار الدراسات الاستراتيجية، بدا واضحا أنها غير محايدة،  تنم عن خلفيات ثقافية، لعل أبرزها الأزمات المتتالية والصراعات المحتدمة، التي لم تعرف سبيلا إلى تهدئتها في العالم العربي والإسلامي، إلا وظهرت أخرى على أنقاضها .

ـ  ثم مقولة حوار الحضارات التي تبلورت في سياق أدبيات المؤسسات الثقافية،  حيث ساهمت بشكل فعال في إدراج مفهوم التنوع الثقافي ضمن أولوياتها،  لأنه لا يستقيم الحوار الحضاري دون الاعتراف بالحوار الثقافي،  الذي يعد التنوع الثقافي أحد مرتكزاته،  فكانت بداية مسار متواصل أفضى مع مرور الوقت، إلى صدور إعلان اليونسكو العالمي للتنوع الثقافي، خلال نونبر 2001م، في أفق استكمال الخطوات النهائية لإقرار الاتفاقية العالمية لحماية وتعزيز التنوع الثقافي.

لقد سارعت عدة قوى ومؤسسات ومنظمات منها المغرب،  إلى تبني مفهوم التنوع الثقافي، والجعل من صيانته وحمايته هدفا استراتيجيا، خاصة أن مفهوم حوار الثقافات ارتبط ارتباطا جوهريا، بأحداث11 شتنبر2001م، وركز على خط العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي،  مما مس بمضمون العديد من تلك العلاقات سلبا على عدة أصعدة.

وعلى الرغم من الأنشطة العديدة،  والمبادرات الكثيرة التي عرفتها الساحة الإسلامية والغربية على السواء، في مجال تفعيل الحوار والترويج له،  إلا أنه من الواجب القول أن حوار الثقافات وإن استطاع أن يتحول إلى شعار مرحلي،  وبند ثابت من بنود الدبلوماسية العالمية، لقدرته على ملء مساحات شاسعة من اهتمامات الفاعلين على اختلاف تخصصاتهم وحقولهم المعرفية،  إلا أنه لازال مبهما،  يحتاج إلى التمحيص والتدقيق في طبيعة العلاقات الثقافية والاستراتيجية بين العالم العربي الإسلامي من جهة،  والعالم الغربي من جهة ثانية،  وما تطرحه من اختلالات عميقة تؤثر من دون شك على المنظومة القيمية للحضارة العربية الإسلامية، ورؤيتها القائمة على الانفتاح والتسامح والتواصل مع باقي الأمم والثقافات المغايرة، في مقابل عالم اليوم الذي لا يعرف إلا تزايد مخاطر الإرهاب المستند على التطرف الديني،  من قبل بعض المجموعات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية ..، والتي رغم قلة عددها،  فقد استطاعت أن تحول الدين من وظيفته الإنسانية من إقرار السلم والتعايش والتعاون بين عموم الناس، إلى محاولة اختزاله في وضعية مسؤولة عن تهديد الأمن الدولي،  بسبب انتشار أسلحة الدمار الشامل،  وأنماط الحروب غير المتكافئة، وهو وضع من شأنه توجيه النظر إلى الإشكالات المسكوت عنها في الرهان الإستراتيجي الدولي.

ـ تتعلق أولاها، باختلالات الشرعية الدولية التي تكيل بمكيالين، فهي من ناحية تأسست على مبدأ الشراكة،  بالنظر إلى مرجعيات التشريعات الدولية، ومن ناحية أخرى تمارس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا والأزمات الدولية، إذ تعد القضية الفلسطينية أبرز مظهر من مظاهر هذه الاختلالات على الإطلاق.

ـ في حين تتعلق الثانية باختلالات العولمة، التي تسعى لتكريس وحدة ونمطية الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي تزداد الفوارق الثقافية والقومية اتساعا بينها، بما يؤدي إلى الاحتماء بالهويات والخصوصيات الضيقة.

ـ وتتعلق الإشكالية الثالثة بالاختلالات المتفاقمة، من حيث القدرات وموازين القوى بين الشمال المتقدم/ الصناعي/ المتحضر، والجنوب المتخلف/المستهلك/ الفقير، تغطي مساحات شاسعة تتصل بمصادر المعرفة، والثروة والاتصال، كرموز ومفاتيح للقوة والتفوق.

واضح إذن، أن هذه الإشكالات لها علاقة مباشرة بالرهانات الثقافية، سواء تعلق الأمر بموضوع الشرعية، أوبالخلفية الثقافية للعولمة، أو بوسائل التنمية وتأهيل الإنسان نحو اقتصاد المعرفة وبنية الإتصال.

والمغرب أحد الدول التي توجد في صلب هذه الإشكالات الثلاث،  يتطلع إلى خيار الحوار، وإلى المساهمة من موقعه في النموذج الذي ينبغي إشعاعه، عن طريق إعطاء الشرعية الدولية مضمونا عادلا أساسا،  يعيد لها وظيفتها الإنسانية،  بجعل كافة الدول سواء أمام القانون الدولي، عوض:” التنصل من القواعد التي كرسها القانون والشرعية الدولية، وكأن هذه الترسانة القانونية لم توضع إلا لضبط العلاقة بين الشرق والغرب….”[1]

 أهمية البحث :

يزداد الاهتمام بالتنوع الثقافي، والدعوة إليه في حالة الرخاء والازدهار، وكذا في حالات التوثر والأزمات، رغم الفرق الواضح بينهما، إذ في حالة الرخاء يجسد إرادة الإنسان، في رسم معالم مستقبله، بالكيفية التي يرضاها لنفسه،  وهي صورة تعكس الوعي العميق بضرورة العمل بالمشاريع والتحكم فيها بمعايير دقيقة،  عملا بالنتائج والمؤشرات، التي تبرز درجة التحقق في مثل هذه الأوراش الكبرى على العموم،  وفي مقدمتها مسألة التنوع الثقافي على الخصوص،  بعكس حالة الشدة الناتجة عن الأزمات التي تعكس وضعا استثنائيا،  غالبا ما يكون مجالا للانتهاك والخرق.

إن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى هو: التناقض أوالاختلاف، الذي لا ينبغي أن ينظر إليه دائما من زوايا سلبية،  فالاختلاف هو الدافع  والمزود الأساس  لبلورة الأفكار، التي تشكل المشاريع  الناجحة أفقا مناسبا لها،  تتحول فيما بعد إلى نصوص قانونية من شأنها أن تساهم في الرفع من المستوى الفكري والاقتصادي والحقوقي والإجتماعي…بما يحقق التنمية الشاملة. وهو ما يقتضي التعامل مع موضوع التنوع الثقافي بجدية ومسؤولية،  لكونه يدخل في صميم السياسات العامة،  التي من غاياتها، جعل التنوع مؤشرا من مؤشرات احترام حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، ضمانا لحقوق الأقليات الدينية والعرقية والطائفية والفكرية… وهي كلها، مداخل ومقدمات، لتوسيع قاعدة الوعي بأهمية دمقرطة المؤسسات العامة،  لتصبح التعددية الثقافية مظهرا من مظاهر المدنية، التي من مبادئها احترام الرأي والرأي الآخر، والوحدة في إطار الاختلاف..وبهذا يعمل على إبراز الأسس الصلبة التي تؤطر الانفتاح على مشاريع مستقبلية جديدة أخرى،  مع استعداد قبلي يهيئ لشروط الحوار الناجح.

انسجاما مع السياق العام للموضوع، ونظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها، باعتباره سيف ذو حدين، فقد آثرت الاهتمام به أكثر، رغبة في المزيد من التدقيق والترويج له، من خلال مؤلف يسعى إلى توظيف واستثمار التنوع الثقافي، باعتباره لبنة من لبنات الحوار الثقافي والحضاري، وكخصوصية محلية، يمكنه أن يجابه المظاهر السلبية للعولمة،  التي تجعل من النمطية رهانا كونيا، ومن القوة وسيلة،  ومن السوق هدفا، ومن الربح السريع غاية، ومن أحادية الثقافة منهجا، ومن الدعوة إلى الانصهار والتبعية سلوكا. كما أنه يسعى إلى الدفاع عن فكرة مفادها، أن  الخصوصية لا تعني الانغلاق والجمود، والهروب نحو الماضي، والتغني ببعض أمجاده “المشرقة”،  ولا تعني أيضا التبعية المطلقة  للكونية، دون اعتبار للهوية، التي تتأسس على مجموعة من القيم ليست فقط مادية، وإنما تهدف الخصوصية، إلى الحد من كل ما من شأنه أن يُفقد الإنسان كرامته وتوازنه، باعتباره المنطلق والمنتهى من كل تشريع.

لهذه الغاية قسمت الكتاب إلى أربعة فصول كبرى، وضعت الفصل الأول تحت عنوان “التنوع الثقافي مدعاة إلى الحوار”، خصصته لتحديد المفاهيم والمصطلحات،  مستعرضا أهم التصورات والرؤى والتعاريف، التي قاربت مفاهيم الثقافة والحضارة  في الثقافتين الغربية والعربية الإسلامية،  مع إشارة إلى الجذور التاريخية لمصطلح الثقافة ومجالات استعماله، وصولا إلى أنواع الثقافات ومفاهيم أخرى من قبيل التنوع الثقافي، والتعددية الثقافية،  والاختلاف،  والعلاقة بين المحلية والكونية.

مع رصد الأسس الفلسفية للتنوع الثقافي، عبر أهم الحقب التاريخية، بدءا من تاريخ الإسلام، فالعصور الوسطى، وصولا إلى عصري النهضة والتنوير، وقوفا على مشاهد تبرز كيف تضافرت مجموعة من الشروط المغذية للصراع الديني والسياسي للحركات الإصلاحية، في الدفع نحو استكمال المعالم الكبرى للحضارة الغربية،  لما عرفته من اختراعات شملت جميع ميادين المعرفة،  حيث أصبح البحث العلمي أولوية في الفكر الأوروبي،  بما ساعده على مراكمة التجارب والخبرات الصناعية والمعرفية والعلمية،  وتوظيف جزء منها في اكتشاف الآخر المختلف النائي في الأدغال، وما يقتضيه ذلك من ضرورة التواصل والحوار مع ثقافات وحضارات هذه الشعوب “المتخلفة”  في نظر بعض المكتشفين.

لقد أصبح التنوع الثقافي معطى طبيعيا، يغذي الرغبة المتزايدة للإنسان الأوروبي،  في المزيد من معرفة هذا الإنسان المختلف، وظروف عيشه وبيئته وعاداته ولغاته…وكان المغرب أحد الدول المستهدفة بالدرس والتحليل، نظرا للتنوع والاختلاف. فكان لابد من معرفة الظواهر المسؤولة عن هذا الثراء الثقافي المغربي،  وهو ما يدخل في صميم الفصل الثاني الذي عنونته ب” الظواهر المؤسسة للتنوع الثقافي المغربي” الذي قسمته إلى خمسة  مباحث، خصصت مبحثا لكل ظاهرة من الظواهر وهي: ظاهرة التنوع الجغرافي في المغرب،  وظاهرة التنوع اللغوي،  وظاهرة التنوع العرقي بالمغرب،  والظاهرة الدينية بالمغرب،  والوحدة في مواجهة الظاهرة الاستعمارية (الكولونيالية) في المغرب.

أما الفصل الثالث الذي يحمل عنوان ” الخطاب الفكري والمؤسساتي المغربي حول التنوع الثقافي ” فقد قسمته إلى أربعة مباحث، تهم كلها، الخطاب الفكري والمؤسساتي حول بعض المجالات والقطاعات التي لامست التنوع الثقافي، وفي مقدمتها: الخطاب المغربي حول التنوع اللغوي، كأساس من أسس التعايش بالمغرب،  والوقوف على التحديات الداخلية والخارجية، التي تواجه التنوع اللغوي في ظل انتشار العولمة،  كما شكل الخطاب المغربي حول التنوع الديني في المبحث الثاني، فرصة لإبراز التعددية الدينية المتعلقة بحقوق الأقليات، ورصد مرتكزات التدين في المغرب خلال عدة حقب، وصولا إلى صياغة استراتيجية شمولية للضبط والمراقبة،

كما وقفت على الخطاب المغربي حول التعددية السياسية، متسائلا هل هي فعلا تعددية سياسية، أم تعددية حزبية، وما هي الظواهر والممارسات السلبية، التي شكلت عوائق داخل الأحزاب المغربية،  مما فوت عليها فرصة تحقيق الانتقال الديمقراطي،

ولذلك كانت المبادرة الملكية لإصلاح الأحزاب، من منطلق أن هذه الأحزاب لم تؤشر على جاهزيتها، لتحقيق النقلة النوعية في اتجاه فصل حقيقي للسلط.

أما المبحث الرابع المتعلق بالتنوع التعليمي،  استعرضت فيه أهم مراحل الإصلاح التعليمي التي عرفها المغرب بعد الاستقلال مباشرة، من خلال مخططات بدأت تعطي أكلها في تحقيق أهدافها مع بداية الإصلاحات الأولى،  وفي مقدمتها الانتقال من الاقتصاد الكولونيالي إلى الاقتصاد الوطني، عن طريق إصلاح البنيات الزراعية، والصناعية،  وإصلاح جهاز الدولة،  عبر إصلاح التعليم.

إلا أن هذا الإصلاح – بالرغم من بعض جوانبة الإيجابية- لازال دون التطلعات المطلوبة لتحقيق التنمية، التي هي إحدى أهم أركان المشروع الديمقراطي الحداثي، إن لم نقل بأن التعليم اليوم هو أكبر تحد يواجه المغرب على الإطلاق.

مبرزا أهم تجليات التنوع التعليمي بالمغرب،  والمتمثلة أساسا في التعليم العمومي، والتعليم الأصيل، والتعليم الخصوصي.  فهذه الأصناف الثلاثة من المدارس،  يقابلها ثلاثة أصناف من الثقافات: ثقافة عربية إسلامية متجهة نحو الشرق، غير منفتحة على الحياة العصرية (التعليم الأصيل)،  وثقافة غربية، تجهل أو تتجاهل في الغالب عمق الحضارة الإسلامية (التعليم الخصوصي)، وثقافة ثالثة، وفقت بين الثقافتين والحضارتين فيما عرف بالأصالة والمعاصرة (التعليم العمومي)، وهي جميعها تتجاذب بقوة طَبْع الهوية المغربية، بطابَعها الذي يخول لها توجيه المجتمع وفق منظورها وفلسفتها في الحياة.

أما الفصل الرابع والأخير المتعلق “بالتنوع الثقافي المغربي مدعاة إلى الحوار الكوني” فقد خصصته لواقع وآفاق الخطاب المغربي، ضمن منظومة الخطاب العربي الإسلامي” حيث إن الخطاب المغربي لا يخرج كثيرا عن مضمون الخطاب العربي الإسلامي،  الذي يعرف بدوره عدة تحديات ومعيقات موضوعية، تتغذى من مرجعيات مختلفة في مواجهة الآخر،  قبل أن ينجح “الآخر” في نقل المعركة داخل “الأنا”.

أما المبحث الثاني الذي يحمل عنوان” البعد الكوني في مرتكزات الخطاب المؤسساتي المغربي” فقد سقت نماذج تهم طبيعة الخطاب المغربي المؤسساتي حول التنوع الثقافي، من خلال الندوات الدولية والتظاهرات الفكرية التي تعكس التوجه الرسمي لمقاربة التنوع الثقافي والحضاري، من خلال الرسائل الملكية التي تُوَجًه في مثل هذه المناسبات.

إلى جانب ” خطاب المجتمع المدني المغربي حول التنوع الثقافي الكوني، باعتباره أحد أسس الحوار الكوني، ومدخلا فاعلا إليه، من الزاوية الموازية للمؤسسة الرسمية، المتمثلة أساسا في جمعيات المجتمع المدني الفاعلة على مستوى تهيئ الشروط الموضوعية والذاتية لإدارة الحوار، حيث وقفت على مدى التطابق أو التعارض بين الخطاب المؤسساتي والخطاب المدني،  بالنظر إلى الدور الذي ينبغي أن يلعبه المجتمع المدني  في تصحيح المسار الديمقراطي بالبلاد وتقويته، عبر انخراطه الواسع في الحياة الاجتماعية، مما يمكنه من المعرفة الدقيقة لحاجات الناس،  في أفق بلورتها إلى مشاريع.

كما وقع اختياري على جانب الإعلام، اعتبارا لأهميته في الترويج لثقافة الحوار، إذ يعد من المداخل المهمة التي تطرح في مجال ضبط وتقنين وتطوير المنظومات الإعلامية، ما يتعلق بتدبير التعددية في وسائل الإعلام،  حيث أصبح التعدد والتنوع مؤشرا من مؤشرات التنمية الإعلامية،  فضلا عن كون إقرار التنوع ضمن وسائل الإعلام هو مدخل قوي لضمان حرية التعبير والرأي،  من خلال خلق شروط  الممارسة السياسية.  بالإضافة إلى كون الإقرار بالتنوع، هو إقرار بمبدأ المواطنة وتكريس لإعلام “مواطن” من شأنه تأهيل وسائل الإعلام للانخراط في تطوير المجتمع ومواكبة تحولاته.

فالتعددية الإعلامية جزء فقط من مشروع أكبر: هو مشروع التعددية الشاملة بما فيها التعددية السياسية والثقافية والفكرية واللغوية…كانعكاس موضوعي للشروط  التاريخية والمجالية والبشرية التي أنتجتها.

  1. وهكذا سعت فصول ومباحث هذا الكتاب إلى إثبات، أن الخطاب المغربي حول التنوع الثقافي بكل أبعاده المؤسساتية  والمدنية، تأسست من ظاهرة التنوع الجغرافي، التي أدت حتما إلى ظاهرة التنوع اللغوي، باعتباره جسرا للتواصل والتقارب على امتداد هذا المجال الواسع والمتعدد،  فكان طبيعيا أن يؤدي ذلك إلى نوع من التساكن والتعايش، وفق الطبيعة البشرية،  مما أمن الشروط الضرورية لإرساء الظاهرة الدينية بالمغرب وتقويتها، أفضت إلى الاستقرار،  بفضل التدبير المحكم لهذا الحقل من قبل مؤسسة إمارة المومنين، التي تستمد مشروعيتها من العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي، مما أدى بالتالي إلى استقرار المجتمع،  كل هذا شكل وحدة مجتمعية في ظل الاختلافات المجالية واللسانية والإثنية،  التي كان لها دور في مواجهة الأطماع الخارجية،  وفي مقدمتها الظاهرة الكولونيالية بالمغرب. فهل هذا التوجه وهذه الوحدة قادرة اليوم على مواجهة سلبيات العولمة وانحرافاتها، اعتمادا على الاستثمار الأمثل لخاصية التنوع الثقافي؟.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  – انظر نص الرسالة الملكية الموجهة إلى الندوة الدولية حول: ” حوار الثقافات هل هو ممكن ؟ ” المنعقدة بالرباط أيام 11 – 13 دجنبر 2003م