متابعة : احمد السوجاع
عاشت مدينة فاس، مساء الأحد الأخير، واحدة من أسوأ لحظاتها البيئية على الإطلاق، حين تحوّلت مدرجات المركب الرياضي إلى ساحة اختناق جماعي بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من عصارة النفايات “ليكسيفا”، وسط ذهول الآلاف من الحاضرين، بمن فيهم شخصيات عليا في الدولة والوفد الرسمي. المناسبة لم تكن عادية، بل نهائي كأس العرش، محطة وطنية بامتياز، لكن الروائح كشفت المستور: تدبير محلي فاشل لا يرتقي لمستوى المدينة ولا الحدث.
العمدة عبدالسلام البقالي، الذي كان حاضرًا وسط الجمهور، استنشق السمّ كغيره، لكنه لم يحرك ساكنًا. لم يصدر أي اعتذار، ولم يُعلن عن أي حالة طوارئ، بل خرج في اليوم الموالي ليعقد ندوة صحفية يبشر فيها بانطلاق صفقات نظافة جديدة تفوق قيمتها 22 مليار سنتيم، وزعت على شركتين بدعوى “الانطلاقة الجديدة”، في وقت لا تزال الأحياء غارقة في النفايات، والحاويات محطمة، والشوارع ملوثة، والعمال يحتجون بسبب غياب المعدات وتأخر الأجور، وشاحنات النظافة بالكاد تقوى على الحركة.
هذه “الكارثة البيئية بصبغة رسمية” لم تعد تُخجل المجلس الجماعي، بل تحوّلت إلى عادة موسمية تتكرر مع كل صيف، حيث الحرارة المرتفعة، وجمود الرياح، وسُمية “الليكسيفا” التي تعبث بحياة السكان دون أي خطة استباقية، أو حتى تحرك بسيط يرقى إلى مستوى الكارثة.
فاس، مدينة الـ12 قرن، وزهرة إفريقيا، ومفتاح المغرب الاقتصادي، أصبحت اليوم رهينة الإهمال السياسي والتسيير العشوائي. كيف يعقل أن تكون المدينة على موعد مع تظاهرات رياضية وثقافية كبرى، بينما ملفات كبرى كالنقل الحضري وتدبير النفايات ما تزال تراوح مكانها، بل تتفاقم يوما بعد آخر؟ ألا يستحق المواطن الفاسي العيش في بيئة نظيفة تحفظ كرامته وصحته؟
الواقع يفرض نفسه بقوة: المدينة تسير نحو الحافة. فالعمدة لا يحاسب أحدًا، لا الشركات ولا أعضاء مجلسه، ويستمر في تلميع الصورة بمصطلحات مستوردة، فيما مستشارون يصادقون على دفاتر تحملات لا يفقهون حتى فحواها، مكتوبة بلغة لا يفهمها أغلبهم. هي ديمقراطية شكلية تُدار بسطحية قاتلة.
الليكسيفا، هذه العصارة القاتلة التي تتسرب من مطرح النفايات بطريق سيدي احرازم، لم تعد مجرد نفايات سائلة، بل سلاح صامت يهدد الهواء والماء والتربة، ويخنق سكان المدينة على مدى سنوات. قنبلة موقوتة تُركت دون مراقبة، دون صيانة، دون تحمّل أدنى المسؤولية.
إن ما حدث خلال نهائي كأس العرش ليس حادثًا عرضيًا، بل لحظة كاشفة: مدينة تُختنق في حضور أعلى مسؤوليها، ولا أحد يملك الجرأة ليتحدث عن المحاسبة، أو يعلن حالة استنفار بيئي.