يوسف السوحي
تعرف التنمية المستدامة بمفهومها الشامل والعام على أنّها عبارة عن نشاط شامل لكافة القطاعات سواء في الدولة أم في المنظمات أم في مؤسسات القطاع العام أو الخاص أو حتى لدى الأفراد، حيث تشكل عملية تطوير وتحسين ظروف الواقع، من خلال دراسة الماضي والتعلم من تجاربه، وفهم الواقع وتغييره نحو الأفضل، والتخطيط الجيد للمستقبل، وذلك عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات البشريّة والمادية بما في ذلك المعلومات والبيانات والمعارف التي يمتلكها المقيمون على عملية التنمية، مع الحرص على الإيمان المطلق بأهمية التعلم المستمر واكتساب الخبرات والمعارف وتطبيقها، ولا تقتصر التنمية على جانب واحد أو مجال واحد فقط من المجالات الحياتيّة بل تشمل التنمية الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية والعسكريّة والإنسانية والنفسية والعقلية والطبيّة والتعليمية والتقنية وغيرها، بحيث تهدف بشكل رئيسي إلى رفع وتحسين مستوى المعيشة لدى الأفراد، وضمان معيشة أفضل للأجيال القادمة،وهي معادلة لاتحتسب بمجهول واحد او اثنين بل تتعداه إلى أكثر من ذلك،ومن الظّلم ان نحمّل المجالس المنتخبة لوحدها عملية التنمية المحلية في غياب إنسجام مختلف القطاعات الوزارية، وحضورالكفاءات الادارية ونزاهة النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية …،ومن هذا المنطلق يمكننا الوقوف على تاريخ أعطاب عملية التنمية المحلية بالعاصمة الاسماعيلية ،والكشف عن الاسباب الحقيقية التي تجهض ولادة تنمية مستدامة بالمدينة برؤية إستراتيجية واضحة ،والاجابة عن الاسئلة الحارقة للشارع المكناسي التائه اليوم بين حنينه لامجاد الماضي وإكراهات الحاضر ووعود وامال المستقبل.
لقد سبق لساكنة الحاضرة الاسماعيلية سنة 1992 أن عايشت جيلا جديدا في الحقل السياسي أنذاك ،متكون من مجموعة من الاطر السياسية والكفاءات العلمية والادارية العالية،وعلى رأسهم المرحوم الطيب بن الشيخ، الوزير السابق في عدة قطاعات ورئيس للجماعة الحضرية الاسماعيلية ورئيس للمجموعة الحضرية ،والدكتور أحمد العلمي وزيرالصحة سابقا كرئيس للجماعة الحضرية حمرية ،والوزير السابق إدريس التولالي كرئيس للمجلس الاقليمي ،فضلا عن ولادة مجموعة من الشباب المنتمي للاحياء الشعبية والتوّاق لممارسة السياسة كفن نبيل والمشاركة في تذبير وتسيير الشأن المحلي بالمدينة،وقد لاحظت انذاك ساكنة مكناس، رغبة رؤساء الجماعات السالفي الذكرفي تأطير ومد يد المساعدة للشباب ،بغاية تسليمهم مشعل القيادة السياسية بالعاصمة الاسماعيلية،كما تمكنت هذه الشخصيات من خلق جو سياسي مشمول بالديمقراطية سمح بالمشاركة الفعلية لأغلب الفئات المعنية بالمناطق الهامشية ،او المرتبطة بشكل مباشر او غير مباشر بعملية تذبير الشأن المحلي بالعاصمة الاسماعيلية ،وذلك من خلال القرار الجيد الذي اتخذوه في شأن مدينة مكناس داخل المجال الحضري والقروي ،والمتعلق باحداث مخطط توجيه التهيئة العمرانية مشمول برؤية استراتيجية واضحة وطموحة،وبالدقة والحكمة،والمنجز انذاك من طرف المهندس ميشيل بانسو والذي تمحور حول سبعة محاور رئيسية متمثلة في:
1ـ إحداث فضاء للوجيستيك وتكنوبول سايس.
2ـ تهيئة الاراضي العسكرية الشطر الاول.
3ـ مركز جديد للاعمال.
4 ـ خلق فضاء عمراني مركزي.
5ـ إحداث مناطق سياحية .
6ـ وضع تصميم خاص بالماثر التاريخية بغية تثمين قيمتها التاريخية.
7ـ توسعت الاكاديمية العسكرية .
ومن بين المنجزات التي أحدتث انذاك أيضا بمكناس ،من طرف المجالس الاقليمية والجماعات الحضرية في تلك الفترة :
ـ خلق طفرة رياضية في مختلف الرياضات الجماعية والفردية،توجت بفوز النادي المكناسي لكرة القدم بدرع البطولة سنة 1995 .
ـ تصنيف مدينة مكناس سنة 1996 من طرف منظمة اليونسكو كتراث عالمي ،والتأثير الايجابي لهذا القرار على خزينة الجماعات الحضرية وعلى القطاع السياحي .
ـ جلب دعم مالي من الوكالة الامريكية للتنمية سنة 1998 بغاية انجاز دراسة لهضبة واد بوكران قصد تحقيق اقلاع اقتصادي وسياحي حقيقي،والحفاظ على الطبيعة البيئية لهضبة بوفكران،والتي لازالت معلقة للاسف الشديد الى يومنا هذا،ماعدا انجاز مشروع الصرف الصحي سنة 2020 .
ـ تكريس البعد الثقافي والفني للمجلس السابق،بدعم مهرجان مسرح الهواة وخاصة مسرح الحبول الذي تم اقباره ودفنه لما يزيد عن 20 سنة.
ـ إحداث مناطق صناعية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ،وخلق فرص للشغل بمجاط وسيدي سليمان مول الكيفان .
ـ إحداث محطة تصفية المياه العادمة والتي بلغت تكلفتها حوالي 120 مليون درهم .
ـ الانخراط الفعلي في برنامج القضاء على دور الصفيح .
كل هذه الانجازات الهيكلية والاساسية للتنمية المحلية، والتي لا ينكرها إلاّ جاحد ، كانت نتيجة توافق مختلف المتدخلين في عملية التنمية،وكانت تتم بدعم مالي ورمزي كبيرين ، لمجموعة من رجالات الدولة كانوا وزراء أو برلمانين أو رؤساء مجالس منتخبة او فعاليات اقتصادية…، ترافعوا من أجل المصلحة العلية للعاصمة الاسماعلية في فترة إمتدت إلى حدود سنة 2003 ،لتدخل بعدها مكناس إلى مرحلة مفترق الطرق …يتبع