قراءة في اجتماع الدكتور البقالي مع القادة السياسيين بوجدة: حين تصنع الكاريزما التنظيم.. ويُبعث الأمل من ركام “البام”

متابعة : أحمد الزينبي

من تابع المشهد السياسي في مدينة وجدة خلال الأشهر الأخيرة، يدرك تمامًا أن شيئًا عميقًا يحدث بصمت، لكنه بزخم هائل، قد يعيد ترتيب الخارطة الحزبية بأكملها.

غير أن ما جرى يوم السبت 27 شتنبر 2025 لم يكن مجرد تحرك حزبي عادي كما وصفته بعض التقارير الإعلامية. اجتماع الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي، الدكتور خالد البقالي، مع عدد من الشخصيات السياسية البارزة بالجهة الشرقية، لم يكن حدثًا عابرًا، بل نقطة تحول تُعلن بداية جديدة لسياسة أكثر رصانة، وأكثر اقترابًا من هموم المواطن.

من يقرأ تحركات الدكتور خالد البقالي خارج منظار الكليشيهات الحزبية المعتادة، سيلحظ أن الرجل لا يشتغل بمنطق الزعامة المؤقتة أو البهرجة السياسية. هو شخصية سياسية أكاديمية، هادئة ومركّزة، تعرف متى تتحرك ومتى تلتزم الصمت. لكنه حين يتحدث، كما حدث في اجتماع وجدة، فإنه يمنح لكلماته ثقل رجل الدولة، لا مجرد أمين عام لحزب يسعى للتوسع.

اجتماع وجدة جاء في لحظة دقيقة، حيث تتهاوى بعض البُنى الحزبية التقليدية في الشرق، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة الذي يعيش انقساماته الحادة وتراجعاته المستمرة. في هذا الفراغ، ظهر البقالي، ليس كبديل ظرفي، بل كمشروع بديل، يطرح سياسة مختلفة انفتاح على الكفاءات الشابة ، احترام العمل المؤسساتي، توجيه البوصلة نحو خدمة المواطن، لا خدمة الذات.

أحد الأخطاء التحليلية التي يقع فيها بعض المتابعين هي قراءة الالتحاقات الجديدة بالحزب الوطني الديمقراطي كـ “انتقالات انتهازية”. الحقيقة أكثر عمقًا. ما جرى في وجدة هو انعكاس لتآكل الثقة داخل “البام”، وصعود البديل الأكثر عقلانية وتنظيمًا.

نور الدين الحارثي، على سبيل المثال، ليس اسمًا هامشيًا. إنه أحد الوجوه السياسية المحسوبة بدقة في معادلة الانتخابات بالإقليم. اختياره الاصطفاف إلى جانب البقالي لم يكن مجاملة، بل رهان على مشروع سياسي آمن ومستقر، قادر على منح الطمأنينة التنظيمية والسياسية لمناضلين تعبوا من الفوضى والانقسامات.

ما جعل هذا الاجتماع مختلفًا هو الأسلوب. لم يكن البقالي يتحدث بلغة الوعود الكبرى، ولا يرفع شعارات الإنقاذ ، بل كان يُعيد تعريف العلاقة بين الحزب والمدينة، بين التنظيم والمواطن.
حديثه عن الإصلاحات الجارية في وجدة، وتثمينه لعمل والي الجهة، لم يكن نفاقًا سياسيًا، بل إشارة واضحة إلى أن الحزب الوطني الديمقراطي لا يشتغل بمنطق المعارضة الصدامية، بل بمنطق التكامل المؤسساتي.

وهنا تبرز نقطة قوة الرجل: قدرته على الحفاظ على استقلالية الحزب، دون الدخول في صراعات مجانية، أو مواقف استعراضية. وهو ما يُفتقد في كثير من القيادات الحزبية التي لا تتقن إلا لعبة الخصام الدائم.

السؤال الذي بدأ يُطرح، وبقوة، في كواليس السياسة بوجدة هو: هل يتحول الحزب الوطني الديمقراطي إلى القاطرة الجديدة للعمل الحزبي في جهة الشرق؟

الإشارات الأولية تقول نعم.
لكن الأمر لا يتعلق فقط بعدد الملتحقين الجدد أو الأسماء الوازنة. بل بأسلوب جديد في العمل السياسي، يقوده رجل هادئ اسمه الدكتور خالد البقالي، اختار أن يشتغل على المدى البعيد، بعيدًا عن ضجيج المعارك الصغيرة.

ما جرى في اجتماع وجدة كان لحظة نادرة في السياسة المغربية، حيث تلتقي الرؤية مع التنظيم، وتُولد ثقة جديدة بين الحزب والمواطن.

وفي مشهد يعاني فيه المغاربة من تراجع الثقة في العمل السياسي، تظهر مثل هذه اللحظات كأمل لا ينبغي الاستهانة به.

فهل نعيش بداية “تيار سياسي جديد” يبدأ من الشرق؟
ربما.
لكن المؤكد أن الدكتور البقالي، ومعه الحزب الوطني الديمقراطي، قد كسروا الصمت.. وبدأوا يكتبون فصلاً مختلفًا من الحكاية.