احمد السوجاع
أسدلت محكمة الاستئناف بمدينة فاس، بتاريخ فاتح يوليوز 2025، الستار على واحد من أكثر الملفات إثارة للرأي العام المحلي، والمتعلق بشبهات فساد إداري ومالي داخل إحدى مقاطعات العاصمة العلمية، حيث أصدرت أحكامًا نافذة في حق عدد من المنتخبين، الموظفين، وأعوان السلطة، بتهم تتعلق بالارتشاء، تبديد أموال عامة، وتسليم وثائق لغير مستحقيها.
وقد جاءت الأحكام متفاوتة، حيث قضت الهيئة القضائية بإدانة رئيس المقاطعة بسنتين حبسًا نافذًا وغرامة مالية قدرها 24.000 درهم، فيما نال المسؤول السابق عن مصلحة التعمير ثلاث سنوات حبسًا نافذًا وغرامة بـ20.000 درهم.
من جهة أخرى، تم الحكم على قائد إحدى الملحقات الإدارية بـ18 شهرًا حبسًا نافذًا، وغرامة مالية مماثلة، في حين توزعت باقي الأحكام على أعوان سلطة وموظفين عموميين، بين سنة واحدة و15 شهرًا و10 أشهر، بالإضافة إلى غرامات تراوحت بين 2.000 و5.000 درهم.
وشملت الأحكام أيضًا مهندسين معماريين تمت إدانتهم بشهرين حبسًا نافذًا وغرامات مالية بسيطة، على خلفية تورطهم في إعداد وثائق إدارية غير صحيحة، حسب منطوق الحكم.
ورغم ثبوت التهم على غالبية المتابعين، فقد تم تمتيع بعض المتهمين بالبراءة، خاصة موظفين في الوكالة المستقلة للماء والكهرباء، الذين لم تثبت في حقهم أية مسؤولية جنائية.
وقد توزعت حالات المتابعة بين الاعتقال الاحتياطي والسراح المؤقت بكفالات مالية متفاوتة حسب طبيعة التهم وخطورة الأفعال المنسوبة، مع بقاء عدد من المتهمين رهن الاعتقال إلى حين صدور الحكم.
وتجدر الإشارة إلى أن القضية، التي شغلت الرأي العام المحلي لفترة طويلة، تعود إلى تحقيقات معمقة باشرتها السلطات القضائية، حول منح رخص تعمير مشبوهة، وتسهيل حصول بعض الأفراد على وثائق رسمية بطرق غير قانونية، مع وجود شبهة تبادل رشاوى ومنافع غير مستحقة.
إن صدور هذه الأحكام الصارمة يؤكد مرة أخرى التوجه الحازم الذي تنهجه المؤسسة القضائية في مواجهة مظاهر الفساد الإداري، ويشكل رسالة واضحة لكل من سولت له نفسه التلاعب بالثقة العمومية أو استغلال النفوذ لأغراض شخصية.
وفي هذا السياق، نثمن عالياً دور القضاء المغربي المستقل، الذي يبرهن في كل مرة على التزامه التام بتطبيق القانون فوق الجميع دون تمييز.
كما نغتنم هذه الفرصة لنوجه نداءً صريحًا إلى الأحزاب السياسية الوطنية، من أجل مراجعة طريقة اختيار مرشحيها، واستبعاد كل من تحوم حولهم شبهات الفساد أو سوء التدبير، حفاظًا على ما تبقى من جسور الثقة بين المواطن والعمل السياسي، وبهدف إعادة الاعتبار للانتخابات كوسيلة نزيهة للتغيير.
فمحاربة الفساد لا تبدأ فقط من المحاكم، بل من صناديق الاقتراع، ومن برامج الأحزاب ومرشحيها، الذين يجب أن يتحلوا بالنزاهة والكفاءة والاستقامة.