متابعة : توفيق الكنبور
حلت صباح اليوم لجنة من قضاة المجلس الجهوي للحسابات بجهة فاس–مكناس بجماعة البرارحة، التابعة لإقليم تازة، في إطار مهمة افتحاص وتدقيق تهم جوانب متعددة من التدبير الإداري والمالي بالجماعة ، وتأتي هذه الخطوة في سياق الدور الرقابي الذي يضطلع به المجلس، خاصة فيما يتعلق بمراقبة تسيير الجماعات الترابية ومدى احترامها للضوابط القانونية والتنظيمية في صرف المال العام.
وحسب مصادر مطلعة، فإن التركيز الأساسي لهذه المهمة الرقابية ينصبّ على ملف المحروقات (الكازوال)، بالإضافة إلى ملف العمال العرضيين، وهما ملفان لطالما أثارا تساؤلات في العديد من الجماعات المحلية نظراً لحساسيتهما وارتباطهما بسلاسة التسيير اليومي للمرافق العمومية، وأحياناً باستعمالات غير شفافة.
وذكرت مصادر من داخل الجماعة ان القضاة سيستكملون مهامهم خلال اليومين القادمين عبر مراجعة الوثائق والمستندات المالية ذات الصلة، وكذا الاستماع إلى إفادات موظفين ومسؤولين محليين مرتبطين بتدبير هذه الملفات، في خطوة تهدف إلى تكوين صورة شاملة حول مدى احترام الجماعة لمبادئ الحكامة الجيدة في التدبير المالي.
ورغم أهمية هذا النوع من الرقابة في ترسيخ الشفافية والمساءلة، فإن ساكنة جماعة البرارحة بإقليم تازة تعيش على وقع مشاكل بنيوية عميقة تعكس غياب أي إستراتيجية تنموية واضحة المعالم وان الجماعة تعاني من تردي البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية، في ظل محدودية المشاريع المهيكلة أوالتدخلات الميدانية ذات الأثر المباشر على المواطنين.
كما يُعد مشكل ندرة المياه أحد أبرز التحديات التي تواجه ساكنة الجماعة، خصوصاً خلال فترات الصيف. دواوير بأكملها تعاني من العطش، في ظل غياب استثمارات حقيقية في قطاع الماء الصالح للشرب، واعتماد بعض السكان على الصهاريج أو على آبار غير مهيكلة، ما يشكل تهديداً صحياً مباشراً.
اما الطرقات داخل الجماعة وفي محيطها، خاصة تلك التي تربط الدواوير بالمركز، تعرف حالة من التدهور الشديد، ما يعزل العديد من المناطق خلال فصل الشتاء ويصعّب ولوج السكان إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، كما أن الكهرباء والنقل المدرسي يظلان من أبرز مظاهر التهميش، حيث تعاني فئات واسعة من ضعف أو انعدام التغطية الكهربائية، فضلاً عن غياب وسائل نقل ملائمة لتلاميذ القرى نحو المؤسسات التعليمية.
تعاني الجماعة أيضاً من فراغ مهول في البنيات التحتية المخصصة للشباب، مثل ملاعب القرب، المراكز الثقافية، أو حتى الفضاءات الرياضية ، كما أن الجانب الاجتماعي يعرف ضعفاً واضحاً في تدبير الخدمات الاجتماعية الموجهة للفئات الهشة، في ظل غياب الشراكات مع المؤسسات الرسمية والجمعيات الجادة، وغياب رؤية مهنية حقيقية في التعامل مع الحاجيات المحلية.
تشير تقارير غير رسمية وشهادات من السكان المحليين إلى أن الجماعة تفتقر إلى خطة عمل تنموية واضحة المعالم، ما ينعكس في التدبير العشوائي للعديد من القطاعات، من التعمير إلى الخدمات الاجتماعية. وهو ما يجعل من الضروري إعادة النظر في النموذج التدبيري المحلي، وفتح الباب أمام كفاءات قادرة على استشراف المستقبل ووضع برامج قابلة للتنزيل.
الى ذلك تتواصل مهمة قضاة المجلس الجهوي للحسابات بجماعة البرارحة، تبقى الأنظار موجهة نحو ما ستفرزه تقاريرهم من ملاحظات وتوصيات، علّها تكون منطلقاً لتصحيح مجموعة من الاختلالات التي طالما أرهقت كاهل الساكنة.
غير أن الواقع المرير الذي تعيشه الجماعة لا يمكن تجاوزه فقط عبر التقارير، بل يتطلب إرادة سياسية قوية، ومشاركة مجتمعية فعالة، وتحركاً عاجلاً من السلطات الإقليمية والجهوية، لوضع حد لحالة التهميش وتفعيل مبدأ العدالة المجالية كما ينص عليه دستور المملكة.
