التقرير السنوي الذي انجزه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وصادقت عليه جمعيته العامة، حول احداث الحسيمة، التي حاولت بعض الإجتهادات إدخالها في خانة “الحراك”. حمل الكثير من المعطيات و المعلومات الوافية والشافية، التي وضعت حقيقة الوضع وكيف كانت تلك الأحداث والمنحى الذي إتخدته وتطوراتها من إحتجاجات سلمية إلى ممارسة العنف ضد القوات العمومية.
ويشكل التقرير حول احتجاجات الحسيمة، الذي توصلت “كفى بريس” بملخص منه، والذي طال انتظاره، ثمرة أشهر طويلة ومضنية من الاشتغال سواء على مستوى التحريات أو على مستوى التحقق من المعلومات وتقاطعها. وذلك من خلال الوثائق، وأشرطة الفيديو، والاجتماعات وجلسات الاستماع، والشهادات، والتقصي، والزيارات المتعددة التي قام بها فريق المجلس من أجل تقديم تقرير شامل ومحايد وموثق، التزاما بدوره كضمير لدولة الحق والقانون.
يهدف هذا التقرير، الذي تمت صياغته ما بين نونبر2019 ومارس 2020، إلى تقديم قراءة حقوقية لما جرى خلال الاثنى عشر شهرًا من الاحتجاجات التي عرفها إقليم الحسيمة. ويركز، في إطار مقاربة مفتوحة وشفافة، على الممارسات المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تمكن المجلس من إحصائها، سواء من طرف السلطات أو من جانب المواطنين.
لن يكون من باب المبالغة أو الخطأ القول أن احتجاجات الحسيمة، والتي جاءت في سياق فريد، يتجلى في الصعوبات التي واجهتها عملية تشكيل الحكومة، قد مثلت حدثًا استثنائيًا في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للمغرب الحديث؛ سواء من خلال مدتها أو حجمها أو انعكاساتها. لكن يعتبر المجلس ان احتجاجات الحسيمة، تميزت قبل كل شيء، بمحتوى تعبيراتها البارزة.
بمناسبة هذا التقرير، يتطرق المجلس وبطريقة مفصلة، إلى ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة التي أثيرت في هذا الملف الذي شهد العديد من التحولات والاهتزازات، وقد حرص المجلس على الكشف عن مجموع المعلومات التي يتوفر عليها بهذا الخصوص.
هذا، ويعالج هذا التقرير العديد من القضايا التي لم يسبق التطرق إليها من قبل، والتي تشمل تحليل الأخبار المضللة أو الزائفة «fake news » ولكن أيضا، خطاب الكراهية والعنف الذي ظهر على هامش الاحتجاجات.
إضافة إلى ذلك، مكّنت مبادرة الاستقبال والإنصات والتفاعل، التي اعتمدها المجلس، مع أسر وأقارب المعتقلين إلى تملك أفضل لأشكال وسير الاحتجاجات والاعتقالات التي تلتها من جهة، وتعزيز فهم أساليب ومسارات الاحتجاجات والاعتقالات التي نجمت عنها من جهة ثانية، ودعم عائلات المعتقلين بشكل مستمر وحسب خصوصية كل حالة، من جهة أخرى.
وبالموازاة مع ذلك، مكنت شهادات عناصر من القوات العمومية الذين أصيبوا بجروح أو عانوا من آثارها، من إلقاء الضوء على زاوية ظلت، لحد الآن، غير معروفة أو تم تجاهلها من قبل المواطنين. أما الباعث على هذه المبادرة فيتجلى في ضرورة تقييم وقياس كل الوقائع أو الادعاءات أو الاتهامات في إطار مقاربة موضوعية، بمنظور يتساوى فيه الجميع بغض النظر عن الوضعية أو القناعة أو الرأي أو المعتقدات. كل ذلك من أجل تسليط الضوء، بشكل حصري ومخلص على مجمل المميزات التي جعلت من احتجاجات الحسيمة حدثًا لا نظير له في سياقات حقوق الإنسان بالمغرب.
علاوة على ذلك، اعتبر المجلس أن من الحصافة إدماج العديد من الأجزاء التركيبية بخصوص الاجتهادات القضائية الدولية في مجال حقوق الإنسان في هذا التقرير، إذ أن هذا الجهد، الذي يدخل في إطار صلاحيات المجلس بخصوص تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بالمواضيع المتعلقة بها وبالديمقراطية بشكل عام، اعتبر ضروريًا، ليس فقط لأغراض ديداكتيكية، بل أيضًا لإعطاء المواطنات والمواطنين نظرة عامة حول معايير ومنهجية عمل المجلس، حيث تظل المعرفة أفضل سلاح في بناء دولة الحق والقانون وأفضل ضمان لبناء مجتمع ديمقراطي.
وختاما، إن حضور مطالب الذاكرة والهوية، التي ميزت، في جزء لا يستهان به، مطالب الاحتجاجات يسائل المجلس بقوة، نظرا لمهمته المتعلقة بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ولكن أيضا نظرا للأبعاد غير المسبوقة التي اتخذتها.
عن كفى بريس
