الدكتور خالد الشرقاوي السموني*
ألقى جلالة الملك وفقا لأحكام الدستور خطابا بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية العاشرة، يوم الجمعة 09 أكتوبر 2020 .و قبل تحليل أهم مضامين الخطاب الملكي وجبت الإشارة إلى أن أهم ما أصبح يميز الخطب الملكية في السنوات الأخيرة، كونها قد أصبحت تتميز بالواقعية و الصراحة ، تتماشى مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المواطن المغربي ، بل وتحمل في طياتها أفكار متجددة و توجيهات سياسية واقتصادية واجتماعية للحكومة و البرلمان وكل المؤسسات المعنية ، كل حسب اختصاصه ، لتسريع أوراش التنمية و تعزيز الإصلاحات على جميع الأصعدة و النهوض بالاقتصاد و تعزيز الحياة الاجتماعية للمغاربة في وضعية هشة و النهوض بالشباب و تكرس مبادئ الحكامة و النجاعة و المحاسبة .
و بالرجوع إلى الخطاب الملكي لافتتاح السنة الأولى من السنة التشريعية الخامسة نجده لا يخرج عن هذا التوجه العام نظرا لتميزه بالواقعية والجدية في معالجة العديد من المشاكل و المعوقات الاجتماعية و الاقتصادية ببلادنا ، بل سنجد هذا الخطاب الأخير تحدث بلغة صريحة وصادقة، عندما أشار إلى انعكاسات الأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد 19 ، التي كانت لها انعكاسات على كثير من القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية ، وهي مازالت مستمرة ، حيث كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني ، مما يستوجب المزيد من الحكامة الجيدة و إصلاح القطاع العام و تنزيل النموذج التنموي الجديد و وضع خطة إنعاش الاقتصاد و دعم القطاعات الحيوية كالنسيج و النهوض بالمقاولات المتوسطة و الصغرى و التي ضلت صامدة أمام الأزمة الصحية ، ومن المتوقع أن تتأزم بشكل كبير في الشهور القادمة مالم تكن هناك خطة للإقلاع الاقتصادي في إطار تعاقد وطني بناء تساهم فيه الحكومة و القطاع البنكي و اتحاد المقاولات وكل الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين .
عدة رسائل حملها الخطاب الملكي أمام البرلمان ، والتي كانت موجهة لكل من الحكومة والبرلمان و الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين و الاجتماعيين . حيث ركز على عدد من النقاط ، نذكر أهمها :
أولا : خطة لإنعاش الاقتصاد الوطني
تتجلى هذه الخطة في إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، من بين أهدافه دعم القطاعات الإنتاجية و تمويل المشاريع الكبرى، ستكون له الشخصية المعنوية ( مؤسسة عمومية تحدث بمقتضى القانون) ، و يتم تسييرها وفقا لمبادئ الحكامة و النجاعة .يتوقع أن يصدر القانون المحدث له قبل نهاية الولاية التشريعية الحالية .
ومن بين المجالات و القطاعات التي ستعمل هذه المؤسسة العمومية على هيكلتها : الصناعة و الفلاحة و السياحة و التنمية القروية ، و ذلك من أجل تحفيز الاستثمار و التشغيل و إدماج الشباب القروي في التكوين المهني القروي ، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الفلاحي ، لأن هيكلة هذا القطاع وربطه بالصناعة يحتاج إلى كفاءات مهنية في العالم القروي .
ثانيا : تعزيز الحماية الاجتماعية
أصبح البعد الاجتماعي سمة بارزة في الخطب الملكية الأخيرة ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الوضع الاجتماعي في المغرب لا يدعو إلى الاطمئنان ، علما بأن أزمة كورونا عمقت من الأزمة الاجتماعية ، فلولا الصندوق المحدث من أجل مواجهة تداعيات الجائحة ، لكان الوضع أكثر سوءا . لذلك فإن جلالة الملك كان واعيا بهذا الوضع الذي قد يشكل عائقا أمام تنزيل النموذج التنموي الجديد .
وعلى هذا الأساس حرص جلالته على إعطاء دفعة قوية للنهوض بالحالة الاجتماعية ببلادنا و ذلك من خلال تعميم التغطية الاجتماعية و تعميم التعويضات العائلية وتوسيع الانخراط في نظام التقاعد و تعميم الاستفادة عن فقدان الشغل.
ثالثا : تعزيز مبادئ الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة
شدد جلالة الملك في خطابه على النجاعة والفعالية والسرعة في تفعيل الإصلاحات، وإنجاز المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المسؤولة عن تنفيذها بالدرجة الأولى الإدارات العمومية و الجماعات الترابية ، في إطار تفعيل المبدأ الدستوري ” ربط المسؤولية بالمحاسبة ” . فالمرحلة الحالية هي مرحلة العمل و الإنجاز و المحاسبة لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية، قبل التفكير في الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021 – حسب رأيي _ .
و ارتباطا بمبدأ الحكامة الجيدة ، دعا جلالة الملك الحكومة إلى إعادة النظر في الإطار القانوني و التنظيمي المتعلق بالتعيين في مناصب المسؤولية حتى تتمكن الكفاءات المغربية من الانخراط في الوظيفة العمومية، لأنه لوحظ أن عددا من الأطر الكفؤة هاجرت إلى خارج الوطن لانسداد الأفق أمامها ، بسبب المحسوبية و الزبونية و الاعتبارات الحزبية .
ولذلك لا بد من إطار تشريعي جديد لتحقيق النزاهة و الموضوعية في تعيين حاملي الشهادات و الاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم ، حتى لا تجنح هذه الفئة إلى طريق اليأس و العدمية أو تهاجر إلى الخارج بحثا على من ينصفها و يرد لها الاعتبار .
رابعا : مسؤولية البرلمان في المرحلة القادمة
يلاحظ على ضوء الخطاب أن جلالة الملك لم يتحدث بشكل مباشر عن الاستحقاقات القادمة و الظروف غير الاعتيادية التي ستمر فيها ، لكنه وجه الكلام الى أعضاء البرلمان أن يكونوا في مستوى تحديات المرحلة وأن يلبوا تطلعات وانشغالات المواطنين في كل ما يخص تدبير الشأن العام، في مختلف المجالات.
وقد يستفاد من ذلك أن البرلمان سيواجه تحديات حقيقية على إثر مناقشة مشاريع القوانين الانتخابية على أساس من التوافق وإعلاء المصلحة الوطنية على حساب المصلحة الحزبية . كما أن البرلمان ينتظره كم هائل من مشاريع القوانين و السياسات العمومية خلال السنة التشريعية الأخيرة لتنزيل الخطط و الاستراتيجيات المتعلقة بإنعاش الاقتصاد الوطني و ووضع منظومة الحماية الاجتماعية ، بل أكثر من ذلك، فإن تمثيل المواطنين أمانة عظمى على المنتخبين أداءها، من خلال العمل على الاستجابة لانشغالات المواطنين الملحة. و هي مسؤولية وطنية تقتضي من البرلمان الارتفاع إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا. ثم أن المغاربة أصبحوا أكثر نضجا في التعامل مع المؤسسات التمثيلية ، وأكثر صرامة في محاسبة المنتخبين على حصيلة عملهم.
و أخيرا يتوجب على كل القوى الحية في البلاد و المواطنين الانخراط في مسلسل الإصلاح والتنمية ، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة الوطنية ، والتعبئة واليقظة، والتضامن الاجتماعي .
*أستاذ بكلية الحقوق بالرباط و بالمعهد العالي للإعلام والاتصال