الدكتور خالد الشرقاوي السموني
إذا كانت أجهزة الاستخبارات في الماضي ينحصر دورها في التجسس على الأشخاص المعارضين و متابعة تحركاتهم و التعرف على خططهم ، فإن عملها تطور خلال السنوات الأخيرة وأصبحت في كثير من الدول تساهم في وضع السياسات العمومية وتقدم اقتراحات لصناع القرار ، ودرء كل المخاطر التي قد تحدق بأمن الدول واستقراها من جراء تنامي ظاهرة الإرهاب و ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة .
فهي أداة تستخدم جمع ومعالجة وتحليل ونشر المعلومات اللازمة لصياغة سياسات وخطط إستراتيجية فعالة على الصعيدين الوطني والدولي.
و نرى في هذا الصدد أن المخابرات المغربية ، تعد جهازا مؤهلا للقيام بهذا الدور، نظرا للتجربة والخبرة اللتين راكمتها، سواء تعلق الأمر بمكافحة التطرف أو الإرهاب أو محاربة الجريمة المنظمة أو العابرة للحدود، ما جعلها تحوز سمعة دولية؛ والدليل على ذلك ما جاء به تقرير الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان الصادر في شهر شتنبر 2015، عندما اعتبر أن المغرب “يتوفر على أقوى جهاز استخباراتي في العالم العربي، سواء من حيث مهنية واحترافية العاملين في صفوفه، أو في عملياته الاستباقية لإفشال العديد من المخططات الإرهابية “.
فالمغرب أصبح مهددا من الداخل والخارج أكثر من أي وقت مضى، مما حتم على أجهزته الأمنية نهج أسلوب اليقظة والاستباق في الحصول على المعلومة واتخاذ الإجراءات السريعة والفعالة. كما عمل المغرب على إنشاء منظومة أمنية قوية ، من خلال إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية ، حصنته من تهديدات التنظيمات الإرهابية ، كتنظيم القاعدة و تنظيم داعش في شمال إفريقيا ، إضافة إلى تنظيمات أخرى تنتشر على الحدود في دول المغرب العربي و دول منطقة الساحل . وقد حققت السياسة الأمنية للمملكة المغربية في مجال مكافحة التطرف و الإرهاب نتائج ملموسة، جعلها نموذجًا يحتذى به في دول المنطقة.
وعلى هذا الأساس، فإن المخابرات المغربية تواجهها تحديات كبرى مستقبلا في ظل التحولات التي يعرفها العالم على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، بفعل تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والعدوان الخارجي والتدخل الأجنبي الذي يسعى إلى إثارة النزعات الطائفية والانفصالية، فضلا عن التطور السريع الذي عرفته تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال المختلفة، ما ساعد على ظهور ما سمي “الإرهاب الإلكتروني”، وأيضا تنامي قوة الشركات العابرة للقارات، والتي أصبح لها تأثير اقتصادي وسياسي على أنظمة الدول واستقرارها.
وهذه التحديات المستقبلية التي تواجه الاستخبارات المغربية تستدعي اعتماد سياسة التخطيط الاستراتيجي، من خلال تحديد الجهات المعنية بمكافحة التطرف و الإرهاب والاستعانة بالخبراء في المجال الأمني وجمع المعلومات المطلوبة و تشخيص الواقع و تحديد الرؤية والأهداف وعوامل النجاح والفشل وتحليل البيانات و تصميم الخطة الأولية وتنفيذها ومراجعتها وتوزيع الأدوار بين كافة المتدخلين في السياسة الأمنية و إجراء التقييمات أثناء تنفيذ الخطة .
فالتخطيط الاستراتيجي قد يتيح لجهاز الاستخبارات وضوح الرؤية والأهداف والاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات و تحديد الأولويات و الأهداف حسب الاحتياجات و حصر المخاطر والأضرار للأنشطة التي قد تؤدي إلى التطرف و ارتكاب الجريمة الإرهابية ، وذلك من أجل تزويد أجهزة الدولة بالمعلومات الضرورية المهمة التي تمكّنها من صياغة سياسات أو اتخاذ قرارات حاسمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري ، بما يؤمن حماية الأمن و الاستقرار في البلاد .
وينبغي أن يعتمد هذا التخطيط رؤية واضحة المعالم ترتكز على مجموعة من الوسائل ، نذكر من بينها على سبيل المثال :
1. بناء تعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية و الاستخباراتية بالمغرب و تنسيق العمل فيما بينها لمواجهة الصعوبات والمشاكل ذات الاهتمام المشترك ، نظرا لعدم القدرة على مواجهة التحديات بشكل منفرد.
2. الاهتمام بأمن شبكة الانترنت أو بـ”الأمن المعلومياتي” ، نظرا لقدرة التنظيمات الإرهابية على توظيف الإنترنت بطريقة تضر بأمن الدولة و واستقرارها .
3. توظيف العنصر البشري الكفوء و المتميز و تطوير المهارات لديه ، الثقافية والاقتصادية والسياسية و التقنية، حتى يتسنى له مواكبة التغييرات و التحولات التي حصلت على المستوى الوطني و الدولي.
كما تجدر الإشارة في الأخير ، إلى أن إحداث المجلس الأعلى للأمن بمقتضى الفصل 54 من دستور 2011، سيكون له دور كبير في رسم السياسات الأمنية و التخطيط لها ، وذلك لمواجهة التحديات الكبرى التي صار المغرب يعرفها في ظل التغييرات التي طرأت على الخريطة السياسية والأمنية على الصعيد الإقليمي ، وكذلك مواجهة تحديات عولمة الإرهاب والجريمة المنظمة التي طورت من آليات عملها.