باحث مغربي يستعرض كرونولوجيا الأزمات بين إيران والسعودية

واجهت العلاقات بين إيران والسعودية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على مرّ التاريخ، صعوبات ومطبّات جمّة. وإذا عدنا إلى التاريخ فإن الإيرانيين لم يكونوا قط، سواء قبل إسلامهم أو بعد ذلك، ينظرون بعين الارتياح والرضا إلى جزيرة العرب، تاريخها وحضارتها وشعوبها.

ويكفي الباحث المتتبع الرجوع إلى كتب التاريخ والثقافة والفكر الإيرانية، قديمها وحديثها، للوقوف على المثالب والنعوت التي أضفاها مؤلفوها على العرب، ليستنتج، بالتالي، النظرة النمطية الإيرانية المتسمة بالدونية للإنسان العربي.

وبالعودة إلى العلاقات السياسية بين البلدين الكبيرين في المنطقة، فإننا نجدها متأرجحة مترنحة، تأرجح المصالح المتضادة بينهما، ذلك لأن كلاًّ منهما يسعى إلى فرض نفسه على الساحة الإقليمية كدولة قوية ونافذة، وعلى العالم الإسلامي كدولة قائدة ورائدة؛ كما أنّ بين الدولتين خلافات حدودية في الخليج العربي، ناشئة عن الاستغلال المتزايد للمصادر الهيدروكربونية للخليج.

وباستعراض العلاقات الدبلوماسية المتذبذبة بين هاتين الدولتين، بدءاً من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وحتى اليوم، يتبيّن أن الصلات بينهما لم تكن قطُّ في المستوى المطلوب، والسبب يكمن في تضاد المصالح المشار إلى بعضها، والتي كفلت تأزيم العلاقات واستعداء البلدين بعضهما لبعض، إلى درجة أن السعودية وإيران وصلتا لأكثر من مرة إلى حافة التصعيد والأزمات؛ وما الأزمة المتفاقمة اليوم بينهما إلا خير دليل على هذا الادعاء.

تاريخ العلاقات بين البلدين خلال العقود الأخيرة يشهد على شروع التوترات في سنة 1987، إذ تظاهر الحجاج الإيرانيون في الحرم المكي وأحدثوا فوضى اشتبكوا على إثرها مع قوات الأمن السعودي، ما أفضى إلى مقتل 400 حاج إيراني وجرح 300 آخرين؛ وأعقب ذلك إغلاق السعودية سفارتها في طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها.

ومع وصول علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى الرئاسة سنة 1989 سعى إلى ترميم علاقات بلاده مع العربية السعودية، إذ التقى الأمير عبد الله، ولي العهد السعودي حينها، مرتين، ثم تابع أسفاره إلى الرياض مرات عديدة.

ومع وصول الإصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي، راعي سياسة حوار الحضارات ومتبني إصلاح ذات البين وتلميع صورة إيران خارج حدودها، التأمت الجروح، وشهدت العلاقات بين الدولتين مرحلة من الاستقرار وحالة من التحسن.

لكن هذا المسار لم يستمر لأكثر من سنوات حكم الرئيس خاتمي، إذ ستسقط العلاقات بين البلدين في مستنقع التوتر مع وصول الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم؛ وهو الرئيس الذي رفع شعار “دخول إيران النادي النووي”، واتهم الدول العربية مراراً بالتورط في مقتل الفلسطينيين.

وفي الفترة نفسها ستشير أصابع الاتهام السعودية إلى إيران لتورطها في محاولة اغتيال سفير الرياض لدى واشنطن، عادل الجبير، وزير الخارجية حالياً.

لكن في السنوات الأخيرة ستقف إيران على النقيض من السعودية في ملفات إقليمية ودولية كثيرة، إضافة إلى سعيها طيلة سنوات الثورة الإيرانية إلى اختراق الدول العربية والسعودية ضمنها، لنشر التشيع ودعم الأقليات الشيعية؛ مما حذا بالدولتين إلى الوصول إلى حد التنازع الإستراتيجي.

وللتمثيل على هذا الأمر نشير إلى دعم وتأييد إيران للشيعة في البحرين والسعودية، وجماعة الحوثي في اليمن. وفي الجبهة السورية تدعم إيران بشار الأسد (العلوي)، فيما تقف السعودية إلى جانب المعارضة السنية.

وبانتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية سنة 2013، كان العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله من أوائل القادة العرب الذين قدموا التهاني للرئيس الجديد؛ لكن الوجه الآخر كان يخفي استياء كبيراً للسعودية من مآلات الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة 5+1، وقلقاً بالغاً من تنامي نفوذ إيران في المنطقة وتغلغلها في العالم العربي وتدخلاتها المتكررة في الشؤون الداخلية للدول العربية.

بيد أن سنة 2015 تعتبر بحق إحدى أكثر السنوات سوءاً وقتامة في تاريخ العلاقات بين البلدين؛ فخلالها هاجمت المنابر الإعلامية الإيرانية والكثير من المسؤولين، من مستويات مختلفة، السعودية بسبب ما أشيع من تعرض شابين إيرانيين لاعتداء جنسي في مطار جدة على يد رجلي أمن، الشيء الذي أزّم الأوضاع المتأزمة أصلاً، ورفع درجة التوتر بين البلدين، وحتى بين الشعبين، إلى أقصاها.

كما لا يجب إغفال العامل الاقتصادي أيضاً، إذ بادرت السعودية إلى زيادة إنتاجها من البترول لتساهم، إضافة إلى عوامل أخرى، في نزول سعره، مما أضرّ كثيراً بالاقتصاد الإيراني الذي كان يترنح تحت وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة من المجتمع الدولي على خلفية الملف النووي.

وأعقبت ذلك حوادث كثيرة متتالية في السنة نفسها، منها سقوط رافعة وسط الحرم المكي، وحادثة تدافع واختناق الحجاج في منى… وكلها ساهمت في توتير العلاقات بين طهران والرياض.

ففي حادثة منى التي راح ضحيتها 650 حاجاً إيرانياً اتهمت طهران المسؤولين السعوديين بالتقصير وعدم القيام بالواجب في حماية الحجاج؛ كما أدت هذه الحادثة إلى دغدغة عواطف الشعب الإيراني الذي طالب مسؤوليه بالكف عن إرسال أبناء جلدتهم إلى حتفهم مقابل دفع مبالغ مالية طائلة، لا يجني منها المواطن الإيراني أي طائل.

واليوم، مع بداية سنة 2016، أحدث إعدام السعودية لرجل دين شيعي أزمة جديدة عميقة بين البلدين، كانت لها تداعيات كثيرة، منها قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مجدداً بين الدولتين.

هذه الأزمة الدبلوماسية التي أشعلها تنفيذ الرياض حكم الإعدام في حق رجل الدين السعودي نمر باقر النمر، وأذكى فتيلها قيام متظاهرين إيرانيين باقتحام المقرات الدبلوماسية السعودية في كل من طهران ومشهد وإضرام النار فيهما، ألقت بالعلاقات بين البلدين في منعرج خطير يبدو الخروج منه في الأمد المنظور أمراً مستحيلاً.

وهكذا فإن هذه الحوادث مجتمعة لم تفض إلى ازدياد التوتر والنزاع بين البلدين فحسب، بل انتقلت الأزمة لتشمل دولاً أخرى. ومن خلال هذا الاستعراض الكرونولوجي السريع للعلاقات بين السعودية وإيران، يتبيّن أن الانحدار والتقهقر كان هو السمة الطاغية عليها.

*أستاذ متخصص في اللغة الفارسية وآدابها ـ باحث مهتم بالدراسات الإيرانية والمقارنة بجامعة شعيب الدكالي.