المركز المغربي لحقوق الإنسان يتبرأ من تقرير مغلوط صدر باسمه حول قضية وفاة راعي الغنم وسط ثلوج “بويبلان”

لا تزال قضية حميد بعلي، راعي الغنم المتوفى وسط ثلوج جبل “بويبلان” تثير الجدل. فبعد الانتقادات التي وجهت إلى تعثر تدخل السلطات المحلية لمعالجة هذه القضية وإنقاذ حياة الراعي،  تبرأ المركز المغربي لحقوق الإنسان من تقرير أصدره عبد العزيز بوهدون، باسم فرع هذا المركز بجهة فاس مكناس، والذي أشاد فيه بما أسماه المجهودات الجبارة لعامل الإقليم، مصطفى المعزة، وأكد بأن موت الراعي وسط الثلوج “قضاء وقدر”، وهاجم الصحفيين واتهمهم بزرع الفتنة والبلبلة وبالسمسرة. وذكرت مصادر مطلعة بأن المركز على الصعيد الوطني اعتبر بأن تقرير فرعه لا يعنيه، وبأن التقرير الصادر عنه بشكل رسمي يوم 4 نونبر 2018، والذي نشر حينها في وسائل الإعلام هو التقرير المعتمد والذي يعكس نظرته لهذه القضية.

واعتمد المركز المغربي لحقوق الإنسان في صياغة هذا التقرير الرسمي على شهادة أحد المتطوعين الذين شاركوا في عملية البحث عن الفقيد، قبل أن يعثروا عليه متوفى وسط الثلوج أسبوعا على اختفائه. ودعا المركز الحكومة المغربية إلى “إيلاء هذه المنطقة شيئا من العناية، لأن المنطقة، وفي شتاء كل سنة، تعرف عزلة تامة بسبب الثلوج المتراكمة، ويبقى المواطنون محرومون من حاجايتهم لمدة تتجاوز أحيانا الشهر، رغم بعض المجهودات التي تبادر بها السلطات العمومية، إلا أن الوضع يبقى دائما على حاله، بما في ذلك وفاة مواطنين وماشيتهم، ويتكرر المشهد في كل موسم شتاء، سنة بعد سنة”.

لكن اللافت أن تقريرا آخر أصدره رئيس فرع المركز بجهة فاس ـ مكناس، قال إن وفاة الراعي “قضاء وقدر”، وأشاد بما أسماه المجهودات الجبارة التي قام بها عامل الإقليم، مصطفى المعزة، رفقة الوفد المرافق، وأعاد إدراج تقرير سبق أن نشرته السلطات المحلية كمادة رئيسية لتقرير اتهم في خلاصاته وسائل الإعلام بالتسيب والفوضى، ودعا الساكنة المحلية إلى الحذر مما ينشره عدد من الصحفيين بالجهة، متهما إياهم بزرع الفتنة والبلبلة في المجتمع.

 وكان قاسم أسرتان، وهو أحد السكان المتطوعين للبحث عن الفقيد، قد قدم معطيات ميدانية للمركز المغربي لحقوق الإنسان حول ملابسات وفاة راعي الغنم تم اعتمادها في صياغة التقرير الرسمي. ففي عصر يوم السبت 27 أكتوبر 2018، انتقل حميد بعلي إلى قمة جبل بويبلان موسى وصالح، الذي يبعد بأكثر من خمسة عشر كيلومترات من دوار تنكرارانت جماعة بويبلان، دائرة تاهلة، بإقليم تازة، حيث يقطن بمعية والديه، من أجل استعادة بعض من ماشيته، بعدما استشعر تغير الأجواء واحتمال تساقط الثلوج، إلا أن تساقط الثلوج بكثرة حال دون قدرته على الرجوع إلى بيته، حيث يبدو من خلال المعاينة أنه قصد إحدى كهوف المنطقة ويسمى كهف الوطواط، بمنطقة تسمى طانططان، للاحتماء داخلها من الثلوج التي بدأت تهطل بقوة. وبعد يوم واحد، تناهى إلى علم ساكنة الدوار بأن حميد بعلي لم يعد إلى منزله، ولم ترد أخبارا عنه، مما حذا بمجموعة من الساكنة إلى القيام بالبحث عنه (حيث كان الأخ قاسم أسرتان ضمن فريق من المواطنين الذين قصدوا الجبل للبحث عنه)، ونظرا لوعورة المنطقة الجبلية، لم يتم العثور على جثة الفقيد إلا مساء يومه السبت 3 نونبر 2018 حيث تبين أنه حوصر بالثلوج وهو في طريقه نحو الكهف المذكور، وقد استطاع أحد المواطنين ( مصطفى ق.) العثور على جثة حميد بعلي، بعدما لمح قبعته الحمراء، كما ثم العثور على رأسين من الأغنام ميتة بعدما تعرضا للافتراس من لدن ذئب، فيما لاذت واحدة بالفرار، من جهة أخرى، حل يومه الجمعة 2 نونبر 2018، وفد من الوقاية المدنية ومن الدرك بطائرة الهلكوبتر للمساعدة في تقفي أثر الفقيد، ومن بعدهما التحق عامل الإقليم على رأس وفد من السلطات الإقليمية بالمنطقة لمعاينة الحادثة، بعد أن انتشر الخبر إعلاميا. وطالب المركز في هذا التقرير الحكومة بإيلاء العناية لساكنة الجبال لكي لا تتكرر مثل هذه المآسي الإنسانية، في إشارة إلى ضرورة معالجة الأوضاع معالجة جوهرية لها علاقة بتوفير التجهيزات والبنيات لفك العزلة عن الساكنة، عوض حلول مؤقتة وموسمية لها علاقة ببرنامج موجة البرد والثلوج والذي شهد تفعيله على مستوى عدد من الأقاليم، مما أدى إلى إعفاء كل من عامل تنغير وعامل بولمان وعامل ميدلت.

وفي الوقت الذي أشادت فيه عدد من الفعاليات بالتقرير الرسمي الصادر عن المكتب المركزي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، خلف تقرير المركز بجهة فاس ـ مكناس موجة من الانتقادات، حيث استنكرت النقابة المغربية للصحافة والإعلام اتهام وسائل إعلام بزرع الفتنة والبلبلة دون تقديم معطيات دقيقة حول هذه الاتهامات، مقابل الإشادة بـ”المجهودات الجبارة” لعامل الإقليم. كما انتقدت النقابة اتهام صحفيين بالسمسرة، دون تقديم أي معطيات حول هذه الاتهامات المجانية، مقابل تقديم قضية وفاة راعي الغنم على أنها “قضاء وقدر”، ومقابل الدفاع باستماتة عن تدخلات قامت بها السلطات المحلية وأثارت نجاعتها الكثير من الانتقادات في وسائل الإعلام.