ويأتي اختيار موضوع لندوة، إيمانا من المنظمين والمتدخلين بالدور الهام والمركزي الذي يمكن أن تلعبه الجامعة المغربية، في تعميق الأبحاث والدراسات حول القارة الإفريقية، وفق مقاربة متنافذة ومتعددة التخصصات لمواكبة التوجهات والمشاريع الإستراتيجية الكبرى للمملكة المغربية (ربط بلدان الساحل بالمنافذ البحرية المغربية وخاصة ميناء الداخلة الأطلسي، الإطار المؤسسي للدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلنتي، خط أنابيب الغاز الاستراتيجي المغرب – نيجيريا، تنويع المعابر البرية مع إفريقيا، بناء أسطول تجاري بحري وطني) ذات الصلة بالمبادرة الملكية الأطلسية التي يقودها الملك محمد السادس نصره الله تحقيقا للتنمية المشتركة للقارة الإفريقية، ولتحويل الواجهة الأطلسية إلى فضاء للتواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي.
ولقد شكلت أشغال الندوة الفكرية، مناسبة جديدة للقاء بين السادة الأساتذة أعضاء الفريق البيداغوجي لمشروع ماستر “الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا: الموارد، الفرص والمخاطر”، من أجل تعزيز البناء المشترك لهذا المشروع العلمي والبيداغوجي طور مسطرة الاعتماد بشعبة الجغرافيا (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط – جامعة محمد الخامس)، مع اعتماد مقاربة متعددة التخصصات، تجمع بين الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع والاقتصاد والقانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية واللغات والثقافة وعلوم التربية والجيواستراتيجيا والجيوبوليتيك والدراسات الإسلامية.
لقد أجمعت المداخلات، على أن التحولات والمتغيرات الجيوسياسية الدولية تؤكد صوابية رهان السياسة الخارجية المغربية على القارة الإفريقية منذ مطلع الألفية الثالثة، فالمغرب بلد مؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية (الإتحاد الإفريقي). كما أن المقاربة التنموية المغربية المقترحة بمنطقة الساحل والصحراء تفتح آفاق واعدة أمام مثلث التنمية – الأمن والسلام والاستقرار المفقود منذ عقود بالمنطقة، وتتضمن العديد من الرهانات والفرص والتحديات.
المبادرة الملكية الأطلسية، حظيت بإشادة دولية واسعة، كونها أضافت أربع دول حبيسة، بمساحة شاسعة وموارد بشرية وثروات طبيعية مهمة إلى مبادرة الدول المطلة على المحيط الأطلنتي. هذه الإشادة ترجمتها ردود داعمة من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والدول الإفريقية ودول الخليج ومؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وانخرطت فيها عمليا بلدان الساحل المعنية، خاصة أن الحل الوحيد لمحاربة الإرهاب هو التنمية، والهدف الأساسي من المبادرة يبقى اقتصاديا في المقام الأول لجذب الاستثمارات الدولية خدمة لاستقرار وازدهار الشعوب المعنية.
إن إفريقيا مطالبة بالتعامل مع مرحلة “ما بعد الغرب وما بعد الحداثة”، حيث يحيل الوضع الجيواستراتيجي الجديد على نهاية المركزية الغربية وتعدد الأقطاب الدولية وفرصة لتغيير بوصلة ميزان القوة من الشمال إلى الجنوب، ولذلك فإن فكرة تشكيل “حلف/تكتل الجنوب الأطلسي” أصبحت معقولة أكثر من أي وقت مضى، خاصة إذا تمت تقوية العلاقات الإفريقية – الأمريكية الجنوبية.
إن المبادرة الأطلسية الموجهة لدول غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلنتي، تشكل انخراطا نوعيا واستراتيجيا للمغرب في مشروع الاندماج القاري وتحقيق أهداف رؤية 2063 للاتحاد الإفريقي، واستثمار الاهتمام الدولي المتزايد بإفريقيا التي أضحت في قلب الاهتمامات العالمية كونها غنية بالموارد والثروات البشرية والطبيعة خاصة الطاقية والمعدنية.
كما أن المقاربة المغربية تنطلق من مشروعية جغرافية وتاريخية وديبلوماسية ودينية كونه ساهم في بناء الحضارة الأطلنتية، وتنطوي على رد الاعتبار لإفريقيا التي عانت من الرق والهجرة القسرية إلى ما يسمى بالعالم الجديد بعد القرن 15، ومن الحملات الاستعمارية والاستغلال والاستنزاف المتعدد الأبعاد.
ولذلك فإن مختلف الفاعلين، بما في ذلك المجتمع البحثي الأكاديمي، ومراكز الدراسات والأبحاث الإستراتيجية، مدعوون للانخراط القوي في الديبلوماسية الملكية، في أفق التأسيس لمدرسة مغربية – إفريقية للدبلوماسية المدنية الموجهة للمجال الإفريقي، من أجل تكاثف جهود دعم وتثمين هذه المبادرة داخليا وخارجيا وتعبئة كل القوى والطاقات خدمة لهذا المشروع الإقليمي والقاري الاستراتيجي.
إن المبادرة الملكية الأطلسية، هي تأكيد متجدد على عراقة ورسوخ وتجذر العلاقات التاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية بين المغرب ودول الساحل وغرب إفريقيا، كما أنها تمثل مدخلا جديدا ونوعيا من أجل حل نهائي ودائم لقضية الوحدة الترابية الوطنية وجعل الصحراء المغربية، منارة للتنمية الاقتصادية المشتركة، وقاطرة لانبعاث إفريقيا جديدة مستقرة ومزدهرة وذات سيادة.
إن حجم المبادرات الإندماجية والمشاريع التي أعلن عنها المغرب يجعل من مسألة ردم الهوة اللوجستية والربط البي-إفريقي استحقاقات وعوامل حاسمة للنجاح والاندماج الإفريقي خاصة على مستوى البنيات التحتية ووسائل النقل والتواصل والاستثمارات اللوجستية في إطار التعاون الدولي.
ومن هنا تأتي أهمية انخراط الجامعة المغربية، في رفع تحدي المعطيات المفتوحة وتداولها في ظل العولمة كمدخل أساسي لتوسيع المعرفة والاهتمام بالمجال الإفريقي. وعليه أيضا، فإن أطر وهياكل وبنيات البحث والتفكير حول إفريقيا مطالبة بتكثيف الجهود والتشبيك على مستوى القارة، وذلك للوصول إلى قوة أكاديمية ومدنية وديبلوماسية إفريقية موازية متجندة لخدمة التعاون جنوب جنوب وتعزيز الإندماج الإفريقي، وفي مقدمة ذلك تنسيق جهود مراكز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية الوطنية والإفريقية ضمن شبكة للتعاون والتنسيق والتبادل والاستشارة.
مواصلة تعزيز وتطوير المنظومة المينائية الوطنية والاقتصاد البحري لتحويل المغرب إلى قطب ووجهة تجارية واقتصادية تنافسية، تثمينا لمؤهلاته وثرواته البحرية، وبالتالي تعزيز تحول المغرب من قوة برية إلى قوة بحرية وتقوية أدوات ووسائل سيادته التامة على حدوده البحرية (المياه الإقليمية، المنطقة الاقتصادية والجرف القاري).
وقد خلصت الندوة الفكرية حول المبادرة الملكية الأطلسية وميلاد إفريقيا الجديدة إلى التوصيات الأولية التالية:
* أولا، نشر أشغال الندوة في إطار مؤلف جماعي مع فتح باب المشاركة لجميع المهتمين بما في ذلك من بلدان إفريقيا والساحل
* ثانيا، تنظيم ندوة دولية حول الموضوع في أفق شهر أكتوبر المقبل سيعلن عن تفاصيلها لاحقا، في إطار سلسلة من اللقاءات والموائد المستديرة والندوات المنتظمة في إطار مشروع علمي وبحثي متعدد التخصصات
* ثالثا، تكوين نواة فكرية للتشبيك بين مراكز الدراسات والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية بالمغرب وبلدان الساحل وإفريقيا
* رابعا، مواصلة دعم بناء وتطوير مشروع ماستر الجغرافيا الاقتصادية والسياسية لإفريقيا: الموارد، الفرص والمخاطر
* خامسا، المساهمة في تدعيم الديبلوماسية العلمية الموازية تعزيزا للقوة المغربية والإفريقية الناعمة خدمة للمبادرة الأطلسية للتعاون الإفريقي المشترك
وجدير بالذكر بأن أشغال الندوة الفكرية حظيت بتغطية إعلامية واسعة من وسائل الإعلام الوطني، وفي مقدمتها القناة الوطنية الأولى، وقناة M24، والإذاعة الوطنية، ووكالة المغرب العربي للأنباء، وموقع العلم. كما تداولت مضامينها الكثير من المواقع الصحفية الإلكترونية. وشارك فيها ثلة من الخبراء والمفكرين من مؤسسات وتخصصات مختلفة بما في ذلك شخصيات ديبلوماسية وممثلي معاهد وطنية وبحثية ومؤسسات جامعية، ورؤساء مراكز دراسات وأبحاث داخل المغرب وخارجه (الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا ومالي) وممثلين عن عدة مؤسسات وطنية ودولية، وباحثين بسلك الدكتوراه.
وقد توزعت أشغال الندوة على النحو التالي:
– ذ. موسى المالكي، رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، منسق الندوة الفكرية
– ذة. ليلى منير، العميدة بالنيابة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، كلمة ترحيبية باسم المؤسسة المحتضنة
– ذ. حسن عبيابة، رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات والأبحاث العلمية والاستراتيجية أستاذ الجغرافيا بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء -وزير سابق-
المبادرة الملكية الأطلسية: التحولات الجيوسياسية الجديدة
– Dr. Mostafa BOUSSIF, Expert des Affaires de Sécurité et Sureté Maritimes et de Géopolitique des Marchés Internationaux
Désenclavement des Etats du Sahel à travers la Façade Atlantique : enjeux géostratégiques et économique pour les Acteurs régionaux en Afrique
– Dr. EL Mokhtar GHAMBOU, The founding president of the The Atlantic Union Initiative
(Think Tank), New York, Etats Unis – Ex-ambassador
Morocco’s Leading Role in the Rise of Atlantic Civilization
– ذ. محمد بنصالح، أستاذ باحث في التاريخ والعلوم السياسية، رئيس معهد غرناطة للبحوث والدراسات المتقدمة، إسبانيا
“الطريق إلى الأطلسي” في عالم مضطرب: أي دور للقوة الناعمة ؟
– ذ. محمد حمادة الأنصاري، رئيس مؤسسة محمد السادس من أجل السلام والتسامح بجمهورية مالي وباحث في التاريخ:
القواسم الدينية بين المغرب ودول الساحل
ذ. محمد الكيحل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس الرباط، ورئيس مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية
العلاقات المغربية الأطلسية: فرص النجاح ومخاطر التطويق
ذ. بدر الزاهر الأزرق، أستاذ قانون الأعمال بكلية العلوم القانونية، الاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، جامعة الحسن الثاني
إصلاح المنظومة المينائية، تقاطع الاقتصاد والقانون: قراءة في التجربة المينائية المغربية خلال العقدين الأخيرين
ذ. موسى المالكي، أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط – جامعة محمد الخامس
العقل الاستراتيجي المغربي والتنمية المشتركة للدول الإفريقية الأطلسية: معركة كسب النخب من أجل بناء إفريقيا الجديدة
د. طرق أقديم، باحث في الاقتصاد والعلوم الترابية للتنمية، المعهد الوطني للتهيئة والتعمير، رئيس نادي “لوغوس”
مسير الندوة
د. أنوار مزروب، رئيس المركز الإفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال – جامعة محمد الخامس الرباط
مقرر الندوة
صياغة ملخص الأشغال: ذ. موسى المالكي ود. أنوار مزروب
لمزيد من المعلومات أو للمشاركة في المؤلف الجماعي يمكن مراسلتنا على البريد الإلكتروني التالي:
geopolitics.elmalki@gmail.com