صدر أخيرا عن مركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة التابع لمجلس الجالية المغربية بالخارج وجامعة الأخوين إفران، وبدعم من مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بالمغرب، كتاب جماعي محكم بعنوان: “الديناميات الهجروية والتعبيرات السوسيوثقافية: متون وقراءات” من تنسيق عبد الكريم مرزوق وعبد الرحيم العطري وجمال بوطيب، وهو الكتاب الذي جاء في 261 صفحة من القطع المتوسط، وبمشاركة وازنة لعدد من الباحثين الأكاديميين من داخل المغرب وخارجه.
و في معرض تقديمه لهذا الكتاب ، يقول الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج ، بأن “الهجرة لا يمكن أن تكون إلا إبداعا متجددا يعبر عن الفاعلية الإنسانية في تفاوضها المختلف والإيجابي مع الوقائع والأشياء، ولا يمكنها إلا أن تكون محور إبداعات متعددة، تنكشف في حيوات الأفراد والجماعات، وتظهر في المجالات والثقافات والبنى الفكرية والاجتماعية، بصيغ شتى، تُمتع وتقنع في الآن ذاته، فالهجرة مشروطة بالإبداع، لأنها تجريب وبحث واشتغال متواصل على الذات والآخر والعالم، كما أنها مقاومات وتعبيرات سوسيوثقافية يُعيد بواسطتها المهاجر كتابة تاريخ الأمكنة والأزمنة والشخوص والعلاقات والبنيات”.
ويضيف قائلا بأن ” أغنية الباسبور لخضر مثلا، والتي ساهمت في تشكيل مخيال الهجرة وبناء كثير من الصور والتمثلات، لا تقف عند مستوى الأداء الفني وحسب، وإنما تتجاوز ذلك المعطى إلى مستوى “الوثيقة” التي نقرأ من خلالها مجموعة من الأحداث والأماكن والتفاصيل التي ارتبطت بهجرة المغاربة إلى فرنسا في سنوات سابقة”، ولعله السبب الرئيس الذي يدعونا اليوم إلى استجماع هذه المتون وقراءتها بعيون العلوم الاجتماعية والنقد والأدبي والدراسات الثقافية، لأجل فهم شروط إنتاجها، وتشريح دلالاتها الرمزية، اعتبارا لما تنطوي عليه من رموز وعلامات وأفكار تعبر عن تاريخ من الديناميات الهجروية”.
لقد جاء الكتاب غنيا بأوراق بحثية مهمة من توقيع: يحيى عمارة وفريد أمعضشو وعبد الصمد مجوقي وعبد الكريم مرزوق وهاجر غليط وعبد الغني زياني وعبد القادر محمدي وعبد الرحيم العطري وعبد الجليل بدزي وحسن الباز وعبد العالي الوالي ومصطفى الهبطي والحسين المجاهيد وفاطمة الزهراء بوعشرين وكريستوف دادوش وأرميل كوليي. كما حرص منسقو العمل على إغناء الكتاب بعدد من المتون الغنائية الهجروية من قبيل “الباسبور لخضر” و”يا الرايح وين مسافر” “ومون بارناص”.
إن مجموع التعبيرات السوسيوثقافية التي تنتجها الديناميات الهجروية وفي مقدمتها المتن الغنائي الهجروي تظل تعددية بامتياز، لا من حيث جغرافياتها وانتماءاتها، ولا من حيث مساراتها وتنويعاتها، إذ لا يمكن حصرها ضمن نسق تفسيري واحد، بل إنها في انبنائها واشتغالها تظل مفتوحة على شبكات لانهائية من الإحالات والدلالات والرمزيات. وهو ما يوجب دراسات ومقاربات عابرة للتخصصات، تنطلق من أغنية الهجرة إلى البنية الاجتماعية والتاريخية التي ساهمت في إنتاجها وإعادة إنتاجها، في أفق من التعاطي مع منظومتها الرمزية والمادية، ودونما تناسٍ بالطبع لأهمية المجال في بناء هذه المنظومة وإظهارها على هذا النحو أو ذاك.
يذكر أخيرا أن مركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة والذي أسس في إطار شراكة مثمرة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج وجامعة الأخوين بإفران، يحرص على إصدار مجموعة من الأعمال المنشغلة بالديناميات الهجروية، كما ينظم بشكل سنوي الندوة الدولية لربيع العلوم الاجتماعية، والجائزة الدولية لأفضل أطروحة دكتوراه في العلوم الاجتماعية حول قضايا الهجرة، فضلا عن العديد من الأنشطة العلمية والثقافية الأخرى. جدير بالذكر أن الندوة الدولية الثالثة لربيع العلوم الاجتماعية، والتي ستنظم ما بين 12 و14 ماي 2023 بجامعة الأخوين بإفران، سيتمحور موضوع أشغالها حول “الهجرة وحوار الأديان والثقافات: ممكنات وتحديات”، وهي الندوة التي تنظم في إطار تعاون بناء ما بين مجلس الجالية المغربية بالخارج، وجامعة الأخوين إفران وكلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط ومركز ابن خلدون لدراسات الهجرة والمواطنة.