الحكامة الجيدة ضرورة لتنزيل مشاريع تنموية تعيد لمكناس مكانتها المستحقة

متابعة : احمد الزينبي

تعيش مدينة مكناس في الآونة الأخيرة على وقع حراك رقمي لافت، حيث توحدت أصوات سكانها عبر صفحات ومجموعات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بمشاريع تنموية كبرى تعيد للمدينة بريقها وتوازنها مع باقي حواضر المملكة ، وقد عبّر المواطنون عن مطالبهم عبر هاشتاغات موحدة، حملت رسائل قوية حول الحاجة الملحة لتدخل فعلي ومباشر من ممثلي المدينة في المؤسسات المنتخبة.

تأتي المطالب الشعبية في مكناس كترجمة لحالة تراكمية من الإحساس بالتهميش التنموي، رغم الإمكانيات الحضارية والتاريخية والاقتصادية للمدينة ، وقد ركّزت الهاشتاغات المتداولة على نقاط أساسية، أبرزها استرجاع مكانة مكناس الإدارية، سواء عبر إعادة النظر في التقسيم الجهوي أو تمكين المدينة من مكانة تتناسب مع حجمها التاريخي والديمغرافي، توفير ملعب كبير يليق بالمدينة وتاريخ ناديها، ومستشفى جهوي كبير وجديد قادر على استيعاب حاجيات ساكنة ناهزت المليون نسمة، بالإضافة الى مطار دولي يفتح آفاقًا اقتصادية وسياحية جديدة، ونقل حضري حديث يضمن السيرورة اليومية للمواطنين في ظروف لائقة، وبنية تحتية لائقة مثل المدن الأخرى .

وأشار حقوقيون ان تنمية المدن لا تقوم فقط على المشاريع، بل تحتاج إلى رؤية استراتيجية ترتكز على مبادئ الحكامة الجيدة، وفي مقدمتها، الشفافية في عرض المعطيات والتواصل مع المواطنين حول البرامج والمشاريع والمساءلة كركن أساسي لضمان التزام كل طرف بمهامه ومسؤولياته بالإضافة الىالاستماع لانتظارات المواطنين باعتبارهم شركاء في التنمية، لا مجرد متلقّين للقرارات، وتفعيل دور المنتخبين والبرلمانيين في الدفاع عن احتياجات المدينة داخل المؤسسات التشريعية والتمثيلية، والعمل التشاركي بين الجماعة الترابية، والجهة، ومختلف القطاعات الحكومية.

وتتوفر مكناس على مقومات متعددة تجعلها مؤهلة لتكون قطبًا اقتصاديًا وسياحيًا وصناعيًا متقدّمًا، أبرزها، موقع استراتيجي يربط شمال المملكة بوسطها وجنوبها وإرث تاريخي وثقافي يجعلها واحدة من أهم المدن العتيقة بالمغرب، الى جانب  مؤهلات فلاحية كبرى في محيطها الإقليمي، وكثافة سكانية مهمة يمكن تحويلها إلى قوة إنتاجية واقتصادية.

غير أن هذه المؤهلات تظل غير مستثمرة بالشكل الكافي، ما يجعل مطلب تنزيل مشاريع كبرى مطلبًا مشروعًا وضروريًا، ورغم تفاعل ساكنة مكناس بشكل حضاري عبر الفضاء الرقمي، تسود حالة من الاستياء بسبب غياب مبادرات واضحة من بعض ممثلي المدينة في البرلمان أو بعض المؤسسات المنتخبة، وهو ما يعيد طرح سؤال تمثيلية المواطن وجدوى المشاركة السياسية.

السكان يؤكدون أن الوقت قد حان لطي صفحة الانتظارية، وإطلاق دينامية جديدة تعيد للمدينة مكانتها المستحقة كواحدة من الحواضر الكبرى في المغرب.

إن مكناس اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تستمر في دائرة الانتظار المزمن، أو تُفتح أمامها آفاق نهضة تنموية حقيقية تليق بتاريخها ومكانتها. ولتحقيق ذلك، لم يعد مقبولًا الاكتفاء بالوعود أو الخطابات، بل أصبح لزامًا تبنّي قرارات شجاعة، ورؤية تنموية واضحة، وآليات حكامة فعّالة تُشرك المواطن ولا تُقصيه. فصوت الشارع المكناسي لم يعد مجرد صدى عابر على المنصات الرقمية، بل أصبح تعبيرًا صريحًا عن وعي جماعي يطالب بحقوقه المشروعة في العيش الكريم، وفي مدينة عادلة، قوية، ومؤهلة لتكون رافعة تنموية على مستوى الجهة والوطن.