*بقلم : الأستاذ حسن شرو
إن مشروع القانون 22-20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة جاء في ظرفية و حمولة غير مقبولتين من طرف المجتمع
أولا : ظرفية حالة الطوارئ الصحية
بعد نشر مرسوم بقانون رقم 292-20-2 صادر في 28 رجب 1414 هجرية الموافق ل 23 مارس 2020 و المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.تم الإعلان عن مجموعة من التدابير بكل الجهات والعمالات و الأقاليم و الجماعات-و أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء- تدابير إدارية باقتراح مشترك للسلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية و الصحة، تحد مؤقتا من حرية المواطنين بهدف حمايتهم و ضمان سلامتهم بعد انتشار المرض كوفيد 19.
و بما أن المواطنين كان لزاما عليهم التقيد بالأوامر و القرارات الصادرة عن السلطات العمومية و تم سن أحكام تضمنت إدانة بالحبس و الغرامة لكل من خالف أحكام الفقرة 4 من المرسوم بقانون .فان المواطنين بذلك حرموا من عقد ندوات أو أيام دراسية أو اجتماعات لتدارس أي موضوع يحتاج إلى نقاش مجتمعي و إلى تبادل الرؤى .
وفي هذه الظرفية – حالة الطوارئ الصحية – تم تسريب مشروع قانون 22-20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة ، إلا أن مختلف مكونات المجتمع الحقوقية و المجتمعية بل منها الحزبية رفضت الشكل الذي تمت به صياغة المشروع وخلقت قلقا واسعا حيث استنكرت مصادقة المجلس الحكومي عليه في 19 مارس 2020
ثانيا : حمولة مشروع القانون 22-20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة
يبقى النقاش حول مشروع القانون الأنف الذكر مفتوحا في كل بنوده ، و لكن أريد حصريا التركيز على المادة 14 منه التي أثارت غضب المغاربة، بسنها لعقوبات حبسية من 6 أشهر إلى 3 سنوات و غرامة مالية من 5000 درهم إلى 50000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ، لمن قام عمدا ، عبر وسائل التواصل المجتمعي أو شبكات البث المفتوح أو الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة منتوجات معينة أو بعض البضائع أو الخدمات أو بالتحريض على ذلك علانية.
من هنا لا بد أن نتقدم بملاحظات :
الملاحظة 1 : مثل هذه التشريعات و مثلها المتعلقة بالحقوق و الحريات تحتاج إلى نقاش مجتمعي تنخرط فيه هيات و نقابات و حقوقيون و إعلاميون و قضاة و محامون و أساتذة جامعيون و كل المهتمين بالحقل القانوني …لتبادل الرؤى و إبداء الملاحظات و الاعتراض على الصياغة المعيبة أو غير المنطقية والخروج بتوصيات وعرضها على الجهات المختصة. و من غير المقبول أن يتم التسرع في المصادقة عليها لتمريرها إلى البرلمان ليصادق عليها في إقصاء تام لكل مكونات المجتمع ، خاصة في ظرفية حالة الطوارئ الصحية التي كان من الممكن أن تخلق ردة فعل مجتمعية غير متوقعة .
الملاحظة 2 : أن مضامين مشروع 22-20 هي غير دستورية و تضرب في المواد و 25 و 26 و 27 من دستور المملكة الذي يضمن حرية الرأي والفكر التعبير بكل أشكالها و الذي نص على حق الحصول على المعلومة . كما تتنافى مع المواثيق الدولية التي نص الدستور على سموها ة التي صادق المغرب عليها خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الملاحظة 3 : أن مشروع قانون 22-20 يضرب في الأمن القانوني للمغاربة و ما هو إلا تضخم تشريعي أريد به ما أريد ، دون تشاور عمومي و أقصد بذلك عدم عرضه على المجلس الوطني لحقوق الإنسان لإبداء رأيه في الموضوع مادام يتعلق بالحريات ، و هو ما تم التنصيص عليه في الظهير المنظم له ( ظهير رقم 17-18-1 صادر في جمادى الآخرة 1439 هجرية الموافق ل 22 فبراير 2018 بتنفيذ القانون رقم 15-76- المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان ) الذي جعل من اختصاصاته خاصة في المادة 13 منه** أن المجلس يمارس اختصاصاته في كل القضايا العامة و الخاصة المتصلة بحماية و احترام حقوق الإنسان و حرية المواطنين أفرادا و جماعات – يسهر المجلس من اجل ذلك على رصد مراقبة و تتبع أوضاع حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني و الجهوي … ** ، و كذا على المجلس الوطني للصحافة وفق مقتضيات المادة 2 من القانون 13-90 المتعلق بإحداثه. و أيضا يجب التنبيه إلى أن مضامين المشروع تؤطره مواد القانون 13-88 المتعلق بالصحافة و النشر و أيضا كل ما يتعلق بالصحافة الالكترونية ، علاوة على مقتضيات زجرية بالقانون الجنائي.
الملاحظة 4 :أن الضرب في المكتسبات التي حققها المغرب بعد دستور 2011 قد يخلق اضطرابا مجتمعيا و فقدان الثقة في السياسيين ، في الوقت الذي يتم فيه مطالبة المواطنين بالانخراط في العمل السياسي و … و مما يثير الاستغراب العلاقة العكسية التي تمت خلالها المصادقة على مشروع القانون 22-20 من طرف المجلس الحكومي مع الأخذ بملاحظات اللجنتين التقنية و الوزارية لإعادة صياغته قبل الإحالة على البرلمان. في حين أن الصواب أن اللجنة التقنية كان حريا بها أن تجيد الصياغة بعد النقاش المجتمعي بشأنه، قبل أن يصادق المجلس الحكومي عليه ، و إحالته بعد ذلك على البرلمان (هذا إذا كان القصد من هذا التشريع هو التنصيص على الالتزامات الواقعة على عاتق مزودي خدمات شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع مسطرة فعالة وشفافة للتصدي للمحتويات الإلكترونية غير المشروعة، وإقرار جزاءات إدارية في مواجهة مزودي خدمات شبكات التواصل المخلين بالالتزامات الواقعة على عاتقهم. وملائمة المنظومة القانونية الوطنية مع القوانين المقارنة والمعايير المعتمدة في مجال محاربة الجريمة الإلكترونية، خاصة بعد مصادقة المغرب على اتفاقية بودابست المتعلقة بالجريمة المعلوماتية بتاريخ 29 يونيو 2018. ).
خلاصة : نعم نتفهم أننا لسنا مع إعاقة النشاط الاقتصادي و لكن الصياغة الحالية – التي تم تسريبها –مرفوضة مجتمعيا و ظهرت جليا على مواقع التواصل الاجتماعي ( حيث أصبحت هذه الأخيرة قوة ضغط اتجاه الحكومة إلى جانب الإعلام ). و أن عدم الوضوح في التوجه الحكومي حول هذا المشروع وعدم تحمل أي طرف المسؤولية في حد ذاته يبين أن الأمور تسير خبط عشواء . و أنه أن الأوان لاحترام ذكاء الرأي العام لأنه يفهم اللعبة السياسة ، و على الحكومة أن تترجم المقاربة التشاركية في مثل هذه الأمور . و ينبغي أن لا يتم تجاهل تطبيق المادة 2 من القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة التي تنص على ضرورة التشاور معه لإبداء رأيه في القوانين و المراسيم من هذا القبيل.كما يجب أن يتم الكف عن تبادل اتهامات مجانية من وراء التسريب أو عدمه. و على الكل أن يفهم أن نشر المسودات أو مشاريع القوانين هو الأصل الذي ينبغي أن يكون لخلق نقاشات مجتمعية من قبل المختصين و المهتمين.
وحيث انه بعد الضجة التي واكبت تسريب مشروع قانون 22-20 عجلت بطلب وزير العدل لرئيس الحكومة تأجيل أشغال اللجنة بخصوصه إلى حين انتهاء فترة الطوارئ الصحية و إجراء المشاورات اللازمة مع كافة الهيئات المعنية .و هي الفكرة التي ناقشناها في مقالنا .
*محامي بهيئة فاس
باحث في القوانين و الأنظمة الجنائية
صحافي مهني سابقا بإذاعة MFM
صحافي بالإذاعة الوطنية سابقا
صحافي سابقا بمجموعة من المنابر المكتوبة