ابن “حلالة”.. من رحم المعاناة إلى مسارح العالم

لم تثنيه حالة اليتم التي كابدها منذ نعومة أظافره ، بعد وفاة والدته وتخلي والده عنه، ولا ضيق ذات اليد ، عن رسم مسار فني غني ومتنوع، في بلاد المهجر ،معانقا بذلك الركح مخرجا وممثلا.

هو الفنان المغربي، وحيد شكيب، ابن حي الساكنية بالقنيطرة أو “حلالة” كما يحلو له أن يسميها، الذي ارتقت به دراسته الاكاديمية ،وثقافته الفنية، لينتزع موطئ قدم بين صفوة من الفنانين الفرنسيين بمدينة بوردو، ليصبح اسمه لصيقا بأغلب تظاهرات ومنتديات الشعر والسينما والمسرح ، ومنها “ربيع الشعر” التي دأبت هذه المدينة الواقعة جنوب غرب فرنسا على تنظيمه كل سنة.

في البداية اختار وحيد شكيب (49 سنة) الحاصل على شهادة الباكالوريا (علوم تجريبية) ، الالتحاق بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ، الذي تخرج منه سنة 1993 ،بعد اخراجه ،ضمن بحث التخرج ،لمسرحية “نهاية اللعبة”، التي طاف بها مختلف فروع المعهد الفرنسي بالمغرب، ليقرر بعد ذلك التوجه الى فرنسا حيث تابع دراسته بجامعة بوردو (3 ) ،أنهاها بالحصول على دبلوم الدرسات المعمقة ، وشهادة الدكتوراة حول “مسرح الجمهور الناشئ”.

يتذكر وحيد شكيب الذي اشتغل بالمسرح الوطني لبوردو أكيتان ، ويتولى حاليا مهام الادارة الفنية وتدريس المسرح بنحو ثلاثين مؤسسة تعليمية في اطار جمعية (أليفس) الثقافية، كيف أن بداياته كانت متعثرة وكادت تعصف بطموحه في مجال التشخيص ، عندما قلل الفنان الطيب الصديقي من شأنه اثناء تمرنه على أداء أحد الادوار في مسرحية “البخيل” .

خاطبني وقتئد الفنان الطيب الصديقي بالقول ” شنو جابك للمسرح ، انت ما شي ديال المسرح “، يقول وحيد شكيب في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، مضيفا “شعرت حينها بانهيار نفسي، واجتاحني احساس بأنني لا أصلح لشيء”.

لكن بعد انتهاء التمرين “، وقبل بداية العرض ،نادى علي الطيب الصديقي، وربت على كتفي ،هامسا في أذني ،إني فخور بك وسيكون لك مستقبل في هذا المجال ” يضيف وحيد شكيب.

لم يقف الطموح الجارف لابن القنيطرة المولع بالغناء والعزف على البيانو ، وممارسة السباحة ، عند هذا الحد، اذ انضم كمخرج الى “كتيبة عدم اليقين” المسرحية ببوردو ،التي تضم باحثين واساتذة في مختلف العلوم الانسانية السياسية، حيث تولى إخراج العديد من المسرحيات منها “إيفانوف” لتشيكوف و”الرجل الذي” للكاتب بيتر بروك، و “ييرما” للكاتب فيدريكو غارسا لوركا و”مسحوق الذكاء” لقاطب ياسين ،و”بيت الدمى” للكاتب النرويجي إيبسن.

وبالاضافة الى تدريس فنون المسرح لأطفال المدارس ببوردو، وضمنهم أبناء الجالية المغربية ، يواظب الفنان وحيد شكيب، على إعطاء دروس في هذا المجال بعدد من جامعات هذه المدينة، فضلا عن اقامته محترفات مسرحية بالمغرب، وخاصة ضمن فضاء الطفل بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، كما يعطي من حين لآخر دروسا لفائدة المكونين في تقنيات التنشيط والتشخيص ببعض الجامعات المغربية.

ويتذكر وحيد شكيب الذي أدى أدوارا ثانوية في بعض الافلام الفرنسية ، بنوع من الحنين ،ما يعتبره مرحلة ذهبية قضاها في احضان جمعية الشعلة، التي بها استطاع صقل مواهبه بتوجيه من مؤطرين بارزين منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال على قيد الحياة.

وحيد شكيب أو “البخيل” كما يناديه صديقه الفنان محمد الشوبي لا يخفي أن هذا الاخير يعتبر، بعد جدته، التي ترعرع في كنفها ،يعتبر مثله الأعلى الذي لم يكن يبخل عليه بنصائحه وتشجيعاته .

ولا شك ان الفنان وحيد شكيب،القارئ النهم، والمتتبع للمستجدات الفنية بوطنه الأم ، يساهم بقسطه الى جانب فاعلين مغاربة آخرين في بلاد المهجر، وهم كثر، في التلاقح الثقافي بين المغرب وفرنسا.

* و.م.ع