بقلم: لحسن أمقران.
بعد “مذكرة” السيد رئيس الحكومة بخصوص فتح باب تلقي مذكرات ومقترحات المجتمع المدني والفاعلين والمهتمين المغاربة للإدلاء “برأيهم” في كيفية تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية و”رؤيتهم” للقانون التنظيمي الذي طال انتظاره، عبر التواصل مع حكومته الموقرة على بريد إلكتروني، يتأكد مرّة أخرى وبالملموس حجم الاستخفاف والتحقير الذي تجابه به الحكومة المغربية قضية الأمازيغية، ممّا يجعلنا نتبرأ –مسبقا- مما ستخلص إليه هذه المغامرة الحكومية الجديدة بتواطؤ مع جمعيات الساعة الخامسة والعشرين والمحسوبة على الأمازيغية.
في البداية لا بدّ من الوقوف على مسألة نجد الوقوف عليها على قدر كبير من الأهمية، والتي ما كنّا لنعيرها الاهتمام لولا “التنويه” المجاني والمشروخ، الصادر عن بعض أعضاء هذه الجمعيات والذين وصفهم موقع الحزب الأغلبي ب”النشطاء الأمازيغ”، تنويههم بهذا “الإنجاز” التاريخي لأبيهم الروحي وحكومتهم الفذّة، إنها مسألة تاريخانية (Historicité) هذه الجمعيات التي يعرف الجميع متى ولماذا وكيف “انخرطت” في الشأن الأمازيغي، تلك الجمعيات التي يشهد ما ألّفه من يحركونها على حقيقة مواقفهم من الحقوق التي ناضل من أجلها أحرار الأمازيغية إبان سنوات الجمر والرصاص.
فليعلم هؤلاء أن النضال الأمازيغي لا يمكن أن يصنعه الانتماء المزعوم إلى “الإثنية الأمازيغية” الضيقة ولا “اللسان الأمازيغي” المحدود، فالأمازيغية الحقّة نضال ودفاع على منظومة أفكار تطبعها الكونية وتسمها القيم الإنسانية وتؤطرها القوانين والمواثيق الدولية والشرعية التاريخية، نضال لا يهتم للأصول ولا الألسنة ولا الألوان ولا الأديان، درس نكاد نجزم أن هؤلاء لن يستوعبوه ما داموا ينظرون إلى الأمازيغية بهذا المنظار الاختزالي.
عودة إلى الموضوع الأساس، لابد مرّة أخرى من التذكير بالمواقف العدائية للحزب الأغلبي ورموزه تجاه القضية الأمازيغية التي ينظرون إليها بعين التشكيك حينا والتخوين أحيانا كثيرة، ولا يخفى على أحد كم مرّة تهجم هؤلاء على الأمازيغية والنشطاء الأمازيغ، ومواقف هؤلاء في غالبها تبقى متحجّرة وما نسمعه من حين لآخر ما هو إلا مهادنة يفرضها وضعهم الاعتباري وتقيّة تمارس لتفادي إحراج الدولة المغربية التي يفترض أنها التزمت أخلاقيا ودستوريا بإنصاف الأمازيغية، خاصة أن المؤسسة الملكية دعت إلى إعطاء الأولوية لتفعيل القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية.
إن الحكومة المغربية التي تعمّدت التأجيل المتكرر للإفراج عن القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية لم تفعل ذلك كما قيل لأنه “ملف” يتجاوزها، فهي أخرت القوانين التنظيمية المذكورة بسوء نيّة ومكر سياسي وأيديولوجي كبير، فرغم أن المخطط التشريعي الحكومي نصّ على أن تفعيل القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية سيكون من بين تفعيل القوانين التنظيمية الخمسة الأولى، فإن الحكومة ضربت التزاماتها عرض الحائط لحاجة خسّيسة في نفسها، حاجة إصدار القوانين التنظيمية الأخرى بدون أي إشارة إلى الأمازيغية تحت ذريعة عدم إصدار قوانينها التنظيمية، وهو ما نجح فيه الحزب الأغلبي وحلفاؤه ممن يدّعون “غيرتهم” على الأمازيغية.
لقد كان على الحكومة لو أن نيّتها كانت حسنة وتريد فعلا العمل وفق مقاربة تشاركية حقيقية والانتصار لروح الديمقراطية والشفافية، أن تحدث لجنة خاصة- كما حدث مع القانون المنظم للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية على علاّتها- ترأسها إحدى الشخصيات المعروفة في الحقل الأمازيغي كما تقتضيه مصلحة الوطن، تتواصل وتتحاور مع الهيئات والفعاليات المهتمّة، وتتلقى مقترحات المجتمع المدني بشكل مسؤول وجدّي، لا عبر إيميل لا يعرف المغاربة من يملك كلمته السرية ولا قدر مصداقيته.
لقد تبنّت الحكومة الحالية طيلة ولايتها كل أشكال الانتهاكات والتراجعات عن بعض “المكتسبات” التي ظنّ المغاربة أنها تحققت للأمازيغية، وها هي مرّة أخرى تتعمّد تحقير الأمازيغية واستصغارها وهي تؤجل التداول في قوانينها التنظيمية إلى الدقيقة الأخيرة والرمق الأخير من الولاية التشريعية إنقاذا لماء وجه ديمقراطية تشاركية مفترى عليها، وليس ذلك بغريب عنّا في مغرب يشكل الاستثناء قاعدته الأساس.
إن النسيج الجمعوي الأمازيغي ومعه الفعاليات المهتمة مدعوة إلى إدارة الظهر لحكومة تتلذذ بإعدام الأمازيغية، ولتفرج حكومة النكوص عن قانونها على مقاسها الأيديولوجي فذلك لا ولن يضرّنا في شيء، لكن ما سيمرّغ كرامتنا هو أن نتواطأ ونشارك في هذه المهزلة. أن تقبر الأمازيغية –رسميا- ولو لحين، على يد الحكومة فهو أمر مستساغ، لكن أن يساهم أبناؤها البررة في ذلك فهو ما لايقبله كل ذي عقل سليم.
في الأخير، وإن كنّا ندرك جيدا أن القواعد هي التي يفترض أن تبني الديمقراطية – لكن بالنظر إلى الاستلاب الذي نخرها وينخرها منذ الاستقلال إلى اليوم-، فإننا نعتقد أن ترسيم الأمازيغية وإنصافها يجب أن يأتي من السلطة العليا بالبلاد، لكونها الوحيدة –في الوقت الراهن- التي تستطيع ليّ عنق هذه الكائنات السياسوية كما وقع في وضعيات مشابهة. إن المؤسسة الملكية هي الكفيلة بتمكين الأمازيغية من الاهتمام و النهوض الرسميين قصد إيلاءها المكانة الأصيلة والشرعية الحقيقية التي هي أهل لها ولعلّ أقصر السّبل في ذلك جعل الأمازيغية ضمن ثوابت الدّولة المغربية حفظا لها من الأيادي الآثمة.
https://www.facebook.com/Lahcen-Amokrane-699720203399821/?ref=hl